د. محمد عبدالله العوين
تولى وزارة الخارجية السعودية في حقيقة الأمر منذ إنشائها 1350هـ الموافق 1930م في عهد الملك عبد العزيز؛ أي خلال خمسة وثمانين عامًا ثلاثة وزراء فقط؛ هم فيصل بن عبد العزيز من 1350هـ إلى 1380هـ فقد عينه الملك عبد العزيز وزيرًا للخارجية حين تم استحداثها - آنذاك - إضافة إلى كونه نائبًا للملك في الحجاز ورئيسًا لمجلس الشورى، وقد استمر فيصل وزيرًا للخارجية حتى بعد أن تولى الملك سعود الحكم بعد وفاة والده 1373هـ أقر فيصلاً وزيرًا للخارجية في منصبه مع ولايته للعهد إلى 1380هـ حيث تولى إبراهيم بن عبدالله السويل حقيبة الوزارة إلى 1382هـ والسويل أول شاب سعودي تخرج في جامعة القاهرة، وكان قريبًا من الملك فيصل وموضعًا لثقته؛ ولذلك عينه بعد أن تولى الحكم عام 1384هـ سفيرًا للمملكة في أمريكا وظل سفيرًا في واشنطن إلى أن تولى الملك خالد الملك 1395 فعاد وعين مستشارًا بالديوان الملكي إلى أن توفي 1397هـ.
حمل فيصل وزارة الخارجية مرة ثانية مع كونه وليًا للعهد ونائبًا لرئيس مجلس الوزراء إلى أن توفي 1395هـ وعين الملك خالد الأمير سعود الفيصل وزيرًا للخارجية خلفًا لوالده الذي تولى إدارة دفَّة العمل الدبلوماسي ثلاثة وأربعين عامًا كانت محتشدة بالأحداث الكبرى على المستويين الداخلي والخارجي، وأدار سعود الفيصل بهمة واقتدار مسؤوليات الدبلوماسية السعودية بالكفاءة نفسها وبالإخلاص والهمة والدروس المستفادة من الخطاب السياسي السعودي منذ توحيد المملكة إلى قرب نهاية القرن الرابع عشر الهجري حين أسندت حقيبة الخارجية إلى الأمير سعود، وقد رفع اسم المملكة عاليًا في المحافل العربية والإسلامية والدولية ودافع عن صورتها وأبان عن رسالتها وحشد لها الأصدقاء في المواقف المتأزمة الصعبة، وأخفت أصوات أعدائها خلال أربعين عامًا مرت بالمملكة خلالها أحداث وأزمات عاصفة محلية وعربية كان صوت الدبلوماسية السعودية فيها بمنزلة وزارة دفاع إعلامية قادها باقتدار وحنكة وحكمة سعود الفيصل.
ولا بد من الإشارة إلى من شغل حقيبة «وزير دولة للشؤون الخارجية» التي تم استحداثها عام 1388هـ للمساعدة في تخفيف الأعباء على وزير الخارجية؛ فقد أسندت إلى عمر السقاف إلى 1394هـ ثم غابت هذه الحقيبة سنوات طويلة إلى أن عادت بتعيين د. نزار مدني وزيرًا للدولة للشؤون الخارجية 1426هـ.
ويكاد يكون السقاف وزيرًا للخارجية؛ بما تميز به من جهد دبلوماسي متميز في فترة حرجة من تاريخ المملكة والوطن العربي جنبًا إلى جنب مع الملك فيصل وزير الخارجية وبتوجيهه؛ ومنها - مثلاً - هزيمة العرب في حرب 1967م وحرب الأيام الستة 1967م والحرب بين الفلسطينيين والأردن التي عرفت بأيلول الأسود 1390هـ الموافق 1970م وحرب رمضان 1393هـ أكتوبر 1973م بين العرب وإسرائيل، وقطع البترول عن أمريكا والدول الأوروبية التي ساندت إسرائيل.
أما في مرحلة سعود الفيصل التي نيفت على أربعين عامًا من 1395هـ إلى 1436هـ فقد شهدت هي الأخرى تطورات في أزمات المنطقة العربية؛ مما استدعى أن يبرز الخطاب السياسي السعودي قويًا وشفافًا ومواجهًا في جل الأزمات التي عصفت بالمنطقة إلى اليوم؛ وعلى سبيل المثال لا الحصر؛ الموقف السعودي التوفيقي الذي انتهى إلى اتفاق الطائف بين الفرقاء اللبنانيين 1409هـ واحتلال العراق الكويت 1411هـ وتحرير الكويت بعد ذلك، وأزمة 11سبتمبر 2001م وتداعياتها على المملكة، ومبادرة السلام العربية 2002م التي أطلقها الملك عبد الله، والاحتلال الأمريكي للعراق 2003م وحل الجيش العراقي، وتسليم العراق لإيران، ثم الخريف العربي ومؤامرة تفكيك دول المنطقة وإعادة رسم حدودها، والنووي الإيراني، وطغيان واستبداد بشار الأسد.
كان سعود الفيصل صوت المملكة الواثق الجريء الشفاف إلى العالم، كان هو وحده الدبلوماسية والإعلام الخارجي والمتحدث الرسمي عن هذا الوطن العزيز خلال أربعة عقود -رحمه الله-.
والسؤال: هل كتب سعود الفيصل سيرته الذاتية؟ وإن لم يكن كذلك فمن يا ترى يتصدى لكتابة مرحلة مهمة طويلة من تاريخ بلادنا والأمة العربية والعالم من خلال سيرته الذاتية الثرية بالأسرار والمواقف الخفية والمعلنة؟!