أ. د.عثمان بن صالح العامر
قالتها زوج رسول الله صلى الله عليه وسلم خديجة بنت خويلد - رضي الله عنها - حين نزل جبرائيل أول مرة على محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم - قبل بعثته، فجاءها عليه الصلاة والسلام يرتجف خوفاً ووجلاً من شدة هول ما رآه، وعللت هذا الجزم منها «بأن الله لن يخزيه أبداً» بقولها رضي الله عنها: وَالله إِنَّكَ لَتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصْدُقُ الْحَدِيثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتَقْرِي الضَّيْفَ، وَتُعِينُ عَلَى نَوَائِبِ الْحَقِّ.
وأبو بكر الصديق - رضي الله عنه - يبتلى، فيخرج مهاجرًا نحو أرض الحبشة، حتى إذا بلغ «برك الغماد» لقيه «ابن الدغنة»، وهو سيد «القارة»، فقال: «أين تريد يا أبا بكر؟» فقال أبو بكر - رضي الله عنه -: «أخرجني قومي، فأريد أن أسيح في الأرض، فأعبد ربي».
فقال ابن الدغنة: «فإن مثلك يا أبا بكر لا يخرج، ولا يُخرج مثله، إنك تكسب المعدوم، وتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق، وأنا لك جار، فارجع فاعبد ربك ببلدك».
أصحاب الصنائع الخيرة والأيادي البيضاء والأفعال الطيبة - في حس المجتمع القرشي الجاهلي البسيط - لا يمكن أن يتخلى عنهم الرب -سبحانه وتعالى- ولن يخزيهم أبداً، وهو ما أكده الإسلام بعد ذلك في دعوته الخالدة لأتباعه مهما اختلف المكان وتقدم الزمن.. ولذلك فإن صنائع المعروف باب مشرع لكل ساعٍ لطلب ما عند الله، مسابق في مضمار الخير.. وكما يقال ذلك في حق الأفراد يقال حين الحديث عن المجتمعات والدول والحكومات، وبلادنا المملكة العربية السعودية أنموذج رائع في العطاء والبذل، والمسابقة في مد يد العون وتقديم المساعدات؛ فهي تعين على نوائب الدهر، وتنصر المظلوم، وتقف مع المحتاج، دولاً كانت أو جماعات وأفراداً، والأمثلة في هذا الباب كثيرة ومتعددة، وأكثر ما تكون في مثل هذا الشهر الفضيل، والأرقام محفوظة وباقية لا يمكن أن تمحوها الأيام وتنسينا إياها الحوادث والفتن والمحن والأزمات.
لقد جرت على لساني هذه الجملة الرائعة «والله لا يخزيك الله أبداً» وأنا:
* أرى بعيني جنبات الحرم المكي والعمل المنجز في التوسعة الجديدة التي سيخلدها التاريخ.
* أرى موائد الإفطار وهي تمد في الحرمين وبيوت الله (المساجد) العامرة والمنتشرة هنا وهناك، وعلى جنبات الطرقات العامة وداخل الأحياء، وتشرف عليها الجمعيات الخيرية الموثوقة، وينفق ويدعم ويشجع ويحفز على هذا الصنيع الطيب المميز ولاة أمرنا ورجال الأعمال الخيرون منا، ويباشر أعمالها شبابنا وفتياتنا المتطوعون.
* أرى احتفالية وضع حجر الأساس لـ(خير مكة) وأسمع خبر دعم خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز - حفظه الله ورعاه - لهذا العمل الاستثماري المتميز، العائد ريعه للأطفال المعاقين بـ50 مليوناً.
* أسمع عن رعايته - وفقه الله - لحفل تسليم جائزة نايف العالمية للسنة النبوية والدراسات الإسلامية في المدينة المنورة.
* أقرأ في مصحف مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف في المدينة المنورة، وأرى ملايين البشر تقرأ مثلي في هذا المصحف الذي يُعدّ بحق مأثرة خالدة لهذه البلاد المباركة.
* أشاهد قوافل الإعانات السعودية بفضل الله ومنّه تذهب لشرق بلاد المسلمين وغربها، شمالها وجنوبها.
* أسمع صوت الحق ينطلق في كل حي، وتقام صلاة التراويح بالمساجد، فيتسابق أهل هذا الحي الرجال والنساء والأطفال ليصلوا خلف إمامهم ركّعاً سجّداً لله وحده كل مساء.
* تنقل قنواتنا الإعلامية صورة حية على الهواء مباشرة لجموع المعتمرين وهم يتوافدون على الحرمين طلباً لما عند الله، وهم يصلون في أطهر بقعة على وجه الأرض بأمن وأمان.
* أتابع أخبار احتفاليات جمعيات تحفيظ القرآن الكريم في مناطق ومدن ومحافظات بلادنا المباركة، تلك التي يرعاها أصحاب السمو الملكي أمراء المناطق، ويحضرها القضاة والمشايخ وطلبة العلم ورجال المال والأعمال والأهالي وحفظة القرآن، وتتناقلها الصحف ووسائل التواصل الاجتماعي بكل فخر واعتزاز لتكريم حملة مشعل الحق ونبراس الحياة القرآن الكريم.
* أرى وأسمع وأقرأ فأقول في نفسي: «والله لن يخزيك الله أبداً « بلادنا الغالية، بلد الحرمين الشريفين المملكة العربية السعودية، في ظل دوحة مباركة، وشجرة مثمرة، يتقدمها ولي أمر متميز بحق، ذو عزم وحزم «سلمان بن عبد العزيز» وفقه الله وسدد على الخير خطاه، حفظ الله بلادنا وحرسها من كل سوء، ووقانا شر الفتن ما ظهر منها وما بطن، ونصر جندنا ورجال أمننا الأشاوس، وأدام عزنا وجمع كلمتنا على الحق، اللهم آمين، وإلى لقاء والسلام.