د. ابراهيم بن عبدالرحمن التركي
** على متن الطائرة المتجهة إلى «جدة» - في مفتتح إجازته الرمضانية بجوار بيت الله - تجيءُ هذه الكلماتُ العجلى والخجلى؛ فغياب أستاذنا الكبير لم يأتِ بنعيه صباح «السبت» بل منذ أشهرٍ حين توارى فلم نستطع التواصل معه مباشرةً، ولجأَ صاحبكم إلى الرسائل النصية مستفسرًا ومطمئنًا ورد -بعد أيام- شاكرًا ومعتذرًا عن التأخر، وأيقن محبُّه ألا سبيل إليه؛ فالمرض ومتاعبُه لا تأذن بمزيد.
** في حينا القديم «القرعاوية» بعنيزة فاجأه صاحبه بخبر قراءتِه اسم المذيع الأشهر ناجحًا في «شهادة المرحلة الابتدائية» وشكك في معلوماته؛ فهل يُعقلُ أن يكون مذيع الملك فيصل المجيدُ لغةً المتميزُ أداءً الممتدُّ حضورًا من غير شهادةٍ هي الحد الأدنى المؤهلة لوظيفة «مراسل» وما في حكمها، ثم صدق الخبرُ الخُبرَ حين أراه الجريدة وفيها اسم (بدر أحمد كريّم).
** زال العجب وزاد الإعجاب حين رأيناه يواصل مسيرته العلمية وتفوقه العملي فيصبح المذيع كبيرًا للمذيعين ومديرًا عامًا ونائب رئيس تحرير وصاحب مؤسسة بحثية وعضو مجلس شورى وأستاذًا جامعيًّا يحمل أعلى الدرجات العلمية من غير حاجةٍ إليها ودون أن يقدم نفسه بها يزينها بحوثه ومقالاته ومؤلفاته وامتلاؤه؛ وفيها ما يفوق الكفاية لمن يعي لا لمن يدّعي.
** لقيه صاحبكم -إبان دراسته الجامعية- في جلسة مسائية بجدة فوق سطح إحدى العمائر السكنية بدعوة من الصديق الغالي د. عبدالعزيز السبيل وسعد باجتماعه مع ثلة من الأساتذة والإذاعيين الكبار (محمد الشعلان، أبي تراب، أحمد حريري، عبدالله راجح، جميل سمان، حسين نجار، عبدالله الشايع وآخرين) ثم رآه في «مِنى» وقت الحج بمقر الإذاعة هناك، والتفت الناشئُ إلى حركات الكبير وسكناته يقرأُها ويراقبُها ويحاول استخلاص شخصية «النجم» عبرها، ثم جمعته به مناسبات خاصة بعد انتقال عمله إلى الرياض مديرًا عامًا لوكالة الأنباء السعودية، وعرف منها حزمه وجديته وتجدده وشخصيته اللطيفة التي لا ينسى منها موقفه الشخصيَّ منه بعد أن شهد احتفال مؤسسة الجزيرة بافتتاح مبناها عام 1995م وكان صاحبكم مقدم الحفل ووجد الأستاذ العَلَم عند سلم المبنى ينتظره في أول تعارفٍ قريب بينهما ولم يقل كثيرًا غير: «تعال أُقبِّلْك» مهنئًا إياه على ما رآه تقديمًا مختلفاً، ولم يعدُ أن يكون حسنَ ظنٍّ يشبه أرقى الأوسمة التي يمنحها لنا المضيئون دون أن نسعى إليها.
بقي التواصل بعدما اختص الدكتور بدر «المجلة الثقافية» بأوراقه ومقالاته ومحاضراته الملائمة لطبيعة توجهات المجلة، كما استشهد الكبير برأي تلميذه في بعض القضايا وأثبتها في بعض كتبه ومنها: (الإعلام: أدوار ومسؤوليات) حول المعوقات التي تقف أمام الإعلام السعودي وثقافة المجتمع «ص 213-214».
** ذكريات مختزلة تسطّرُ فوق السحاب في ساعة الفجيعة بافتقاده حزينًا ألا يستطيع صاحبكم إلقاء تلويحة الوداع الأخيرة ولا المشاركة في تشييعه؛ فاللهم أكرم نُزله وأجمعنا به في عليين.
** البدر لا يغيب.