د. عبدالواحد الحميد
الأوقاف في المملكة وفي كثيرٍ من البلدان الإسلامية كانت على امتداد التاريخ أحد الموارد الهائلة للأعمال الخيرية. وقد كانت المجتمعات الإسلامية سبّاقة إلى تطوير مفهوم الأوقاف كمورد مستديم غير منقطع لتمويل الأعمال الخيرية العامة والخاصة. لكن المؤسف أن الجمود الذي أصاب المجتمعات الإسلامية منذ مئات السنين أضعف دور وأهمية الأوقاف في الوقت الذي بدأت المجتمعات الأخرى، وبخاصة في أوروبا وأمريكا، بالاهتمام بمفهوم الأوقاف وتطويره حسب متطلبات تلك المجتمعات وتسخيره لخدمة مختلف الأغراض والوظائف الاجتماعية والعلمية والتعليمية.
وفي السنوات الأخيرة حدث حراك في هذا المجال في المملكة، لكن مساحة التطوير الممكنة لازالت حتى الآن كبيرة جداً. وقد كانت الأوقاف من مسؤوليات وزارة الحج سابقاً ثم وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد فيما بعد، وتم عقد الكثير من الندوات واللقاءات وإجراء العديد من الدراسات التي تناولت مفهوم الأوقاف وتطوير ما يتعلق بها من جوانب، ولكن ظلت الأوقاف كنزاً لم يتم استثماره كما ينبغي وذلك لأسباب كثيرة تناولتها تلك الندوات والدراسات.
ومنذ أيام صرح وزير الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، بأنه سيتم قريباً تأسيس هيئة مستقلة للأوقاف وفصل إدارتها عن الوزارة وتعيين محافظ لها بمرتبة وزير. وتحدث الوزير في لقاء مع أصحاب الأوقاف ونظارها في مكة المكرمة عن خطوات سوف يتم اتخاذها لتطوير الأوقاف.
إن المأمول هو أن يؤدي إنشاء هذه الهيئة إلى تطوير عمل الأوقاف، ولكن هل يكفي فعلاً إنشاء هيئة للأوقاف كي يتطور عملها؟ من غير المؤكد أن يحدث ذلك بشكل تلقائي ما لم يصاحب تأسيس هذه الهيئة رؤية تطويرية تعترف بمتطلبات هذا الزمان المتغير واختلافه عما كانت عليه مجتمعاتنا الإسلامية في سالف الأزمان.
نحتاج إلى الجرأة والتجديد لكي نُفَعِّل مفهوم الأوقاف ومجال عملها. ولا اعتقد أنّ الأفكار التطويرية تنقصنا، فقد تراكمت لدينا الدراسات خلال السنوات الماضية، وما نحتاجه الآن هو الاستفادة من تلك الدراسات وتفعيل ما تتضمنه من أفكار عصرية تطويرية. وسوف تعثر الهيئة الجديدة التي أعلن الوزير عن قرب تأسيسها على منجمٍ ثريٍ من الأفكار؛ لكن السؤال المهم هو: هل ستستطيع الهيئة تفعيل الأفكار التطويرية أم أنها ستكون مجرد كيان تنظيمي جديد يضاف إلى كيانات أخرى لم تستطع الانعتاق من أسر البيروقراطية وجمودها؟
هذا هو التحدي فعلاً!