في زيارة خفيفة لمقر النادي الأدبي بالرياض، التقيتُ خلالها برئيسه الدكتور عبد الله الحيدري والأستاذ هاني الحجي وغيرهما من الأصدقاء، استثقلتُ حين خروجي الحقيبة الضخمة التي وضعها الأحبة في سيارتي، وكنتُ أعرف أنها ممتلئة بالكتب كالعادة، وتصورتُ أن الكتب من ذلك النوع الذي اعتدنا عليه يصدر من المؤسسات الرسمية كالنادي الأدبي.. غير أنني حين نقلتها إلى مكتبتي ونثرتها أمامي في محاولة - معتادة - لإيجاد أماكن لها؛ لمعت أمام عينيّ، من بين الكتب، مجموعة من الإصدارات تتسم بتصميم موحّد رأيته في غاية الإتقان، ويتوسط الأغلفة الأمامية شريطٌ أحمر مكتوب عليه بالأبيض (سلسلة الكتاب الأول - ورقم التسلسل) ومن إعجابي بالتصميم أوّلاً - ولم أجد ذكراً لاسم المصمم - بدأتُ أتصفح هذه السلسلة التي وُضع لي منها ستة إصدارات، أقول بصدق: كلها أعجبتني.. أعجبتني جداً، بداية من الفكرة التي كان لي معها محاولة يائسة، حين إصدار ديواني (الخروج من المرآة) عن النادي نفسه، قبل عقدين تقريباً، وكنتُ قبله أصدرتُ عدداً من المجموعات (خواطر) لم أستطع بها ملامسة الشعر ولا الأدب في تلك المرحلة المبكرة من عمري، فاقترحتُ على رئيس النادي آنذاك (الشيخ ابن إدريس) - في زمنٍ كان الاقتراحُ على المسؤولين فيه يشبه النكتة السخيفة التي تقابل بابتسامة يعقبها تجاهل! - شيئاً يشبه فكرة هذه السلسلة الحديثة (الكتاب الأول) رغبة مني في التأكيد على أن (الخروج من المرآة) هو ديواني الأول.. ولكنه صدر كما تصدر كل الكتب، والحمد لله أن المشهد الأدبي لدينا تعامل مع ذلك الديوان على أنه كتابي الأول فعلاً، واحتفى به الاحتفاء الذي لا أزال وسأظل فخوراً به.
أعود إلى هذه الإصدارات الستة التي أدهشتني من (سلسلة الكتاب الأول) وأسمّيها واحداً واحداً، بحسب ترقيمها في السلسلة، وكلها صادرة هذا العام 2015 وتستحق الإشادة والاحتفاء والإعجاب لتميّزها شكلاً ومضموناً:
22 - أشياع.. وشاية أولى، شعر: علي عبيد المطيري؛ وأقتطف من بين القصائد هذا المقطع الجميل:
(أفتشُ عنّي
على نزوة الأرض
حين تمجُّ خُطى العابرينَ
غباراً كفيفاً
تعلِّمهُ كبرياءَ السماءِ
وبين الأهلَّةِ
حين تربّي السماءُ الهلالَ وليداً جديداً..)
23 - تداعى له سائرُ القلب، شعر: هيفاء الجبري؛ وهيفاء الجبري مبدعة سبق أن توقفتُ عند قصيدة لها منشورة هنا - في الجزيرة - وحييتها ضمن مقالة عنوانها (تحية لشاعر وشاعرة) قبل ثلاث سنوات تقريباً.. والآن أقتطفُ من ديوانها:
(دقِّقْ بوجهي، تأكّدْ من ملامحهِ
فرُبَّ نصٍّ عظيمٍ قد حوى خطأَ
فتحتُهُ ليرى القرّاءُ دهشتهُ
فكنتُ وحدي، بحزني، كلَّ من قرأَ)!
24 - عبرتني حلماً، شعر: دلال المالكي. تقول في لحن العتاب:
(أجنُّ لوصلهِ، وأجنُّ فَقداً
وأمضي حيثما لمَعَ السراب
ويخلفُ موعدي في كلِّ حينٍ
وليسَ لخلفهِ أبداً متاب)
25 - رسائل من نور، نصوص: بشاير الغامدي. تقول في ارتفاع:
(كانت تثرثر له، ويشبعها تجاهلاً. تعلّقت به، وارتفع عن الأرض حتى أدارت ظهرها له.. الغرور.. ليس مدهشاً كما يظن البعض)!
26 - لو تعلمين، شعر: سارة عبد الرحمن. أقتطفُ:
(اليوم يومك،
أقبلْ
فهذي الأرضُ كانت مبتغاك
أنا مُذ رأيتكَ في رداء الموت
تخطر
باركتْ روحي خُطاك)
27 - حصة بنت الجيران، قصص قصيرة: خالد سعيد الداموك.. والقصص القصيرة مثلها مثل القصص الطويلة والروايات، من الأفضل أن تُقرأ كاملة، لاكتشاف الحبكة القصصية وعدم ابتسارها، فاجتزاء أسطر قليلة منها لا أجده يعطي دلالات على شيء ما، كما يعطي في الشعر والنصوص النثرية.. أو هكذا أظن!
وبعد، فأنا لستُ معنياً بإعطاء تقييمات للإبداع، هنا إبداع جيّد وهنا أكثر جودة، فالإبداع يحكمه وجوده، إن كان موجوداً فقد فرض نفسه وإن لم يكن فلا أحد سيراهن عليه.. وأنا أراهن هنا على هذه الإبداعات، وهذه السلسلة التي - إن استطاع القائمون عليها المحافظة على استمراريتها بالإتقان نفسه - ستكون من أهمّ المشروعات الثقافية الأدبية لدينا، وأرجو ألاّ يتم تشتيتها باستنساخها لأكثر من جهة وأكثر من نادٍ، فما دامت قد نجحت - كما أرى نجاحها واضحاً - مع هذا النادي، فالأمل أن تستمر وتتفوّق حتى تصبح مفخرة لكل أديب صدر كتابه الأول برقم في هذه السلسلة.
والجدير بالذكر، أن هذه السلسلة قد بدأت عام 2012 أثناء فترة رئاسة الصديق د. عبد الله الوشمي للنادي الأدبي بالرياض، وكان الرقم 1 من هذه السلسلة هو الكتاب الأول للشيخ حمد الجاسر وعبد الوهاب عزام ومحمد بن بليهد (موقع عكاظ) في طبعة جديدة بعد أن أصبحت طبعته الأولى نادرة. كذلك الرقم 2 كان (الخبز والصمت) وهو الكتاب الأول للأديب محمد علي علوان في طبعة جديدة.. بمعنى أن هذه السلسلة المميزة لا تُعنى بالكتاب الأول للشباب فقط، كطبعة أولى، إنما للكبار والراحلين أيضاً في تجديد كتبهم الأولى بطبعات أنيقة تعيدها إلى القرّاء الذين لم يتمكنوا من قراءتها في أزمنة صدورها.
أقول ختاماً: لو أن ديواني الأول (الخروج من المرآة) لم يصدر في طبعات جديدة عن إحدى دور النشر العربية، منذ فترة قريبة جداً، لما ترددتُ الآن في السعي لإصداره بطبعة جديدة ضمن هذه السلسلة التي تستحق الإعجاب.
- الرياض
ffnff69@hotmail.com