علي الخزيم
قبيل دخول الشهر الكريم تنشط (بعض) النسوة لمتابعة برامج الطبخ المتلفزة وتسجيل عناوينها وتوقيتها، ويٌسْرِعن للمكتبات للاطلاع على أحدث كتب الطبخ لرصد كل جديد يضفي على المائدة مظهراً جذاباً بغض النظر عن جودة مذاقه فالمهم الشكل والمنظر على السفرة، وفي البداية قلت (بعض) لأن هناك من يعترضن على التعميم في هذا الامر، ومع الاعتراض قد يثبت العكس فربما معترض هو أكثر حرصاً من غيره وإن ظن أنه غير ذلك، والتنافس على حب المظهر الجذاب والشكل البديع عند النساء شيء طبعي في حياتهن جبلن عليه، اذ إنهن - كما يفترض - مصدر الجمال والرقة وعذوبة الحياة وجذب الأسرة إلى دائرة التواد والتراحم بين أفرادها، بما يبتكرنه من طرق التئام القلوب قبل الأجساد، ويكون تدفقهن الجمالي أسطع إشراقاً إذا ما طبّقْن هذه المعايير الأسرية الإنسانية ابتداءً منهن تطبيقاً فعلياً لا يتأثر بتجاذبات الحياة.
والرجال متهمون أحياناً بأنهم مُرْهِقون للنساء فيما يختص بأطباق رمضان، ولكن الأيام أثبتت العكس، وأن النساء يجنين على أنفسهن المتاعب والمشقة نفسياً وجسدياً، علاوة على متاعب المنافسة اللاهثة نحو ابتكار طبق جديد، هو في الحقيقة ليس لتشويق الأسرة بقدر ما هو تسجيل نجاح جديد لها داخل مطبخها، ومع ذلك يحتفظ الرجال لهن بحسن بلائهن واجتهادهن وتفانيهن طيلة الشهر والشهور الأخرى، لكن الذي لا يرضي الرجال وكثيرا من النساء هو المبالغة بتقديم أصناف الطعام التي تؤول الى سلال النفايات لصعوبة ايصالها الى من يحتاجها، وحجة الممتعضين من ذلك هي بالمختصر: هل نحن مضطرّون لطهي واعداد كل هذه الأطعمة لنبحث في النهاية عن طريقة لتصريفها على وجه حسن؟ ثم هل لنا من مبرر ان نشتكي كل سنة من غلاء الأسعار مع دخول رمضان، وان المُرَتّب يطير بسرعة في أول أيامه؟ سيكون الجواب في الغالب (لا)، وما أجمل وألذ الإفطار المختصر المركّز المفيد قليل التكلفة في الاعداد والتحضير.
شاهدت رجلاً مسناً ذات يوم يؤنب ابنه حين صادفه خارجاً من المنزل ليضع بقايا (الكبسة) في مكان ترتاده العصافير والحمام، قال له: قل لأمك تقتصد بقدر الحاجة، فالحمام يعلم اننا لسنا بمسؤولين عنه، فمازحت الشيخ الظريف بقولي: لا تحرم هذه الطيور اللطيفة من رزقها، فاقسم انه يريد ان يعلمهم التدبير وتقدير النعم، واثبت لي عملياً انه يشتري الحبوب المناسبة وينثرها يومياً للطيور في الحي ويصب لها الماء، وأضاف: إن تقديم الخير يكون مما يطيب وليس من نفايات المطبخ، فلا يجب أن تكون هناك نفايات، كما هو التوجيه الإسلامي العظيم.
والتسابق عند البعض لا ينتهي عند تلوين وتشويق الأطعمة، بل ينتقل في منتصف الشهر للتسابق والتباري لاقتناء آخر ما تعرضه محلات الملابس للأطفال والنساء خاصة وهذا جيد، غير أن الأهم هو عدم الانخداع بأضواء العروض، وسأختصر الموضوع بالتأكيد على ان رمضان بروحانيته وقدسيته ليس للتسابق في قشور المظاهر، فلِمَ لا نتسابق لتصفية القلوب وتطهير الانفس والمخابر؟