سعد الدوسري
بالعودة لما أشرت إليه في حديثي عن صفات «المطبل الصراخي»، فإنّ واحدة من أهم سلوكياته المتضخمة ذاتياً، بأنه يروّج في جلساته الليلية، كأي مثقف وإعلامي عربي متضخم الذات، بأنّ مقالاته هي الأشهر، وأنّ الزعماء العرب يبدأون صباحاتهم بها، بل إنّ أحدهم وهو على فراش الموت، قال لابنه:
لا كاتب إلا هذا الكاتب،
على وزن:
لا طازج إلا الطازج!!
هذا المطبل الصراخي وغيره، معزولون عن الناس، تماماً كما تعزل ركاب السيارة عن الخارج بتظليلة رقم (05)، المحرّمة مرورياً. هم لا يعرفون حجم الطقطقة التي يطقطق فيها الناس عليهم وعلى مقالاتهم وبرامجهم. وسيكون من الأفضل لهم أن يتوقفوا عن تكرار اسطوانات الليل، وعن محاولات تقزيم الآخرين وعملقة أنفسهم. عليهم أن يركزوا على شغلهم، وأن يدخلوا في التحدي الحقيقي مع من يعمل بهدوء وبدون صراخ وبدون تطبيل. ونأمل أن يتمكنوا من ذلك، لأنّ المستفيد في النهاية هو الإعلام الموضوعي، الذي لم نعد نراه إلا بالمجهر الإلكتروني!
نحن اليوم لا نجد مكاناً في إعلامنا للمطبلين ولأصحاب الإسلوب الصراخي الذي تجاوزه المتلقي ولم يعد يحترمه. نحن اليوم لا نجد مكاناً في إعلامنا للنرجسيين المتباهين بالإنجازات الوهمية المعشعشة في رؤوسهم. نحن لا نجد مكاناً في إعلامنا سوى للذين يتنفسون المهنية الحقيقية، والموضوعية الشفافة، والجرأة غير الانتهازية. هؤلاء هم الذين سيغيرون الإعلام تغييراً حقيقياً، وسنعيش معهم مراحل الضوء الجديد.