د. عبد الله المعيلي
إنه الضيف الكريم الذي تمر أيامه ولياليه مرَّ الكرام مسرعة، الضيف الذي على الرغم من تكرر إطلالته الميمونة كل عام، إلا أنه طالما انتظرته النفوس وهي في غاية الفرح به، والشوق إليه، وفي كل عام تتطلع إليه الأفئدة في منتهى الحب، وتدعو الله مخلصة أن يبلغها إياه وأن يتقبّل منها ما تقدّمه فيه من طاعات وعبادات.
ضيف يجدِّد في النفوس التقرّب إلى الله بحب الطاعات والعبادات وفعل الخيرات، والبعد عن الذنوب والمعاصي والخطايا وفعل المنكرات، فأهلاً وسهلاً بمقدمه الميمون، وبشائره التي تزكي النفوس، وتطهر القلوب، وتحيي ما خبا وتعثر من سبل التواصل مع الله، وبهذا يتجدّد الإيمان ويقوى، ويزداد إقبالاً وينشط ممارسة.
فهل في الدنيا ضيف تطرب النفوس لمقدمه، وتشتاق لمؤانسته والعيش معه في كامل أيامه ولياليه، ضيف خفيف الظل ما إن يحل حتى يأذن بالرحيل، وبرحيله تصاب النفوس بكآبة وحزن، وأمنيات صادقات بأن يعود ويعود أعواماً وأعواماً متتاليات، هكذا يتمنى كل مسلم لأخيه وهو يودع شهر رمضان آملاً من الله أن يعيده عليهم جميعاً أعواماً متتاليات.
لقد اختلف الناس في الترحيب بمقدم هذا الضيف الكريم، وكيفية الاستعداد لاستقباله، وذلك كل حسب تقييمه وما ينوي أن يفعله ويخطط لإنجازه خلال مدته القصيرة، ومن بشائر الخير أن السواد الأعظم من المسلمين يجدُّ في هذا الشهر ويجتهد، ويتجه إلى ربه مخلصاً في عباداته الجسدية والروحية، القولية والعملية.
منهم من بدأ يدوّن قوائم بالمأكولات والمشروبات، الحلويات والمقليات، العصائر والمثلجات، جداول بالرحلات إلى جنيف ولندن وباريس، على اعتبار أن جسده المرهف الضعيف المسكين لا يقوى على الصيام وتحمّل الجوع والعطش في قيظ المملكة وأيام صيفها الطويلة الحارة.
فالصيام في المملكة يتطلب صبراً ومصابرة وقدرة على تحمّل الجوع والعطش، متناسياً ما كان عليه ومنغمساً فيه من قبيح العادات، والإسراف في تناول كل ما لذَّ وطاب من أنواع المأكل والمشرب، وقضاء الأوقات فيما لا طائل منه ولا نفع ولا فائدة.
ومنهم من بدأ يعد قوائم بمن يستحق الزكوات والصدقات، من الفقراء والمساكين، والأرامل والمطلقات، والأيتام والعجزة، وعدد مرات وأوقات تلاوة القرآن، والعمرة وقضاء ما يتيسَّر من الأيام في رحاب مكة المكرمة، ومن ثم زيارة المسجد النبوي الشريف، وتفطير الصائمين، وإقامة صلوات القيام والتراويح.
والبدء صادقاً بالتصالح مع الأهل والجيران، وطي صفحات الهجر والعداوة، والعزم على صلة الرحم والتواصل مع الأحبة والأصدقاء، وطي صفحات الماضي وفتح صفحات جديدة من فعل الخيرات، وممارسة العبادات التي تقرّبه إلى الله.
رمضان فرصة، والفرصة شيء غال ثمين، الكل يتسابق إلى الفوز به والاستئثار، والموفق من يهتبل هذه الفرصة ويغتنمها، ويسابق إلى الفوز بها وفيها، وهي فرصة متاحة لكل من وفَّقه الله وفتح على قلبه وحبب إليه فعل الخيرات، وعقد العزم مخلصاً على تناسي ما فات من أوجه التقصير والتفريط، والعزم على ألا يعود إليها، بل الندم على تلك الأيام التي طويت صفحاتها وهي سوداء مليئة بكل ما يبعد عن الجنة ويقرّب من النار، وهجر كل السبل الموصلة إليها، وفتح سبل التقوى والصلاح، وكل ما يقرّب إلى الجنة ويباعد عن النار.
أيها الحبيب، الأمر أيسر مما تظن، وأسهل مما تعتقد، فقط أغمض عينيك، وعد بذاكرتك إلى ماضيك القريب والبعيد، قلب صفحاته، فإن وجدت ما يسر ويبهج فاحمد الله واسأله المزيد والثبات، وإن وجدت ما يسوء، فاعلم أنه مقبل عليك شهر بإمكانك أن تقدِّم فيه ما تنتفع به، وتعوِّض بعضاً مما فات.