جاسر عبدالعزيز الجاسر
التقييم المهني والواقعي لزيارة سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان بن عبدالعزيز وزير الدفاع إلى روسيا يعد بحق اختراقاً سعودياً ثانياً لدول القرار الدولي والأكثر تأثيراً في توجيه الأحداث في العالم المعاصر.
والزيارة في تقييم خبراء السياسة الدولية والإستراتيجية تؤكّد لمن ابتعدوا كثيراً عن تقييم وتفهم السياسة السعودية والتوجه الذي تسير عليه بأن تكون غير مرتهنة لكتلة دولية أو جهة معينة، وبما أن المملكة العربية السعودية دولة قادرة اقتصادياً، وذات كفاءة سياسية عالية وتمثِّل قوة دولية تتطور باستمرار، إذ تجمع بين الريادة العربية والإسلامية وهو ما فضّلها على العديد من الدول عضواً في مجموعة العشرين التي تضم الدول الأكثر نمواً وقوةً اقتصادية ونفوذاً سياسياً، ودولة مثل المملكة العربية السعودية تملك كل هذه المقومات لن تقبل أن ترتهن في سياستها وتوجهاتها الإستراتيجية إلى كتلة دولية أو يقيدها ويحدها علاقة مع الدول الكبرى مهما كانت تلك العلاقات مميزة، وإن وصلت إلى مستوى الشراكة أو التحالف الإستراتيجي، والذي يصل في علاقاته مع تلك الدول قادر أيضاً أن يوسع هذه العلاقات مع الدول الأكثر قوة وقدرة تكنولوجية لتصبح دائرة العلاقات الدولية أكثر اتساعاً وأكثر تأثيراً، وهذا هو ما تسير عليه المملكة العربية السعودية في تنويع علاقاتها مع كل الدول في مقدمتها الدول الكبرى، ويخطئ كل من يعتقد أن العلاقة مع قوة دولية كبرى تتم على حساب قوة أخرى، والذي يفصل في هذا التوجه مدى الفائدة التي تحصل عليها المملكة، سواء كانت هذه الفائدة سياسية أو اقتصادية أو إستراتيجية بما فيها الفوائد الأمنية وحتى الثقافية.
وهكذا تنوَّعت العلاقات السعودية مع أمريكا وفرنسا وبريطانيا وروسيا والصين واليابان والهند، إضافة إلى الاهتمام بالعلاقات مع الدول الإسلامية والعربية كمصر وتركيا وباكستان، مع تطوير البيت الخليجي الذي تعده المملكة بيتها الذي يعزِّز قوتها مثلما تعزِّز قوة دوله التي أصبح لها صوت مسموع بعد استمرار بقاء وتطور مجلس التعاون لدول الخليج العربية.
من هذا المفهوم وضمن هذا السياق نقرأ ويقرأ المحلِّلون السياسيون والإستراتيجيون زيارة سمو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى روسيا، فهي كما أشرنا في البداية تأكيد جديد على جدية الاختراق السعودي لدول القرار الدولي، وتجديد التعاون السعودي الروسي الذي تجمعه العديد من نقاط الاتفاق أكثر بكثير مما تفرِّقه، والسعوديون لا ينسون أن روسيا أول من اعترفت بالمملكة العربية السعودية، كما أن روسيا تمتلك إمكانات تقنية (تكنولوجية) ولها مكانة جوسياسية لتشابك مصالحها وقربها جغرافياً من منطقتنا العربية.
ليس فقط إمكانات روسيا النووية وتفوّقها في صناعة المفاعلات النووية وتميز أطقم الصواريخ الدفاعية التي تنتجها، بل أيضاً تنوع صناعاتها البترولية بما فيها صناعة الغاز يجعل منها رديفاً جيداً للمملكة، كما يمكن أن تتحقق مع روسيا شراكة مثمرة للبلدين في مجالات الزراعة وبالذات زراعة القمح والشعير.
لكل هذه الدوافع والأسباب وقياساً بما تم توقيعه من اتفاقيات في زيارة الأمير محمد بن سلمان إلى روسيا وما سيتبعها من زيارات قادمة لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز إلى موسكو والزيارة المرتقبة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين للمملكة لا بد أن تنقل العلاقات بين البلدين إلى المستوى المأمول الذي يسعى إليه الشعبان.