ناصر الصِرامي
يشكل شهر رمضان أكبر حصة للإنفاق الإعلاني في العالم العربي، وتقدر نسبة الانفاق نحو نصف ما ينفق طوال العام، وبخاصة في القنوات التلفزيونية، لكن هذه المعادلة قد بدأت في التغير مع بشكل محدود جدا، مع تقديم وانتاج المحطات لبرامج الواقع والبرامج الترفيهية الفنية خارج شهر رمضان.
إلا أن هذا الشهر لازال يحوي الحصة الأكبر التي تفتح شهية المنتجين والمحطات للمنافسة على الاعلان عبر تقديم انتاج ضخم مخصص لهذا الشهر تحديدا، حيث يقدر حجم ما ينتج لرمضان بنحو 70% مما يتم انتاجه طوال العام، مع تغير طفيف بدأ يظهر على هذه المعادلة.
رمضان شهر العائلة والاستهلاك والاسترخاء أيضا كسلوك اجتماعي، وبالتالي فرصة ملائمة لجذب المشاهدين والتسويق.
نفس الحالة ولكن بشكل أقل بكثير، تنطبق على وسائل التواصل الاجتماعي التي تشهد كثافة مشاركة وتفاعلا في رمضان، سواء عبر البرامج الخاصة، أو المحتوى، والذي في الغالب يكون مرتبطا بما تعرضه القنوات الفضائية، نقدا وتحليلا وهجوما ودفاعا..الخ..
من البديهيات اليوم، ان المعلنين مهتمون بعرض إعلاناتهم إلى الأسواق المستهدفة، وبالتالي يبدون اهتماما بوسائل الإعلام التي لديها أعلى نسبة مشاهدة.
من ناحية أخرى، فإن المشاهدين ليس لديهم تلك الرغبة بإقحام الإعلان بشكل مكثف، يحد من استمرارية ومتعة المشاهدة. بل ويميلون إلى تجنب الاعلان أو لنقل تفاديه أو تجاهله، لكنهم أحيانا مجبرون امام متعة واثارة المتابعة للبرنامج - أو المسلسل- إلى تحمل الاعلان كضريبة للمشاهدة المجانية!
لكن المشاهد لا يفقد الحيلة أبدا في تفادي الاعلان الممل -أحيانا- وتجنبه، عبر سلوك تلقائي، على سبيل المثال، تغيير القنوات، والانتقال بين قناة وأخرى، أو كتم صوت التلفزيون للدخول في احاديث جانبية، أو ترك غرفة التلفزيون لدقائق للحصول على احتياجاته.
والان وبشكل ملحوظ وملفت استخدام الأجهزة المتحركة والوصول إلى شبكات التواصل الاجتماعي بكثافة وقت عرض البرنامج وبشكل أكثر تركيزا وقت الفقرة الاعلانية للتفاعل مع المشاهدين من مدن أو دول أخرى. ثم لدينا اليوم التسجيل الرقمي (DVR)، حيث يمكنك تسجيل برنامجك المفضل ومشاهدته وبالتالي تسريع المشاهدة وقت الفاصل الاعلاني !
سلوك وتغير مهم، لكن الأهم فيه وهو ما تم إعداد دراسات حوله في العالم، هو تاثير هذا السلوك على مليارات الاعلان التجاري وفاعليته وتاثيره في المشاهد، أو قدرته على جذبه لايصال الرسالة التسويقية التي كلفتها الملايين انتاجا واعلانا.
هنا نتحدث بشكل أدق ليس عن القنوات التلفزيونية المشفرة، والتي لا يشكل لها الاعلان القيمة الاولى، مقابل اشتراكات المشاهدين المدفوعة. لكن نتحدث عن القنوات التي تبث في الفضاء مجانا، و التي يشكل لها الاعلان عصب الحياة والبقاء والاستمرار.
قد يبدو ما سبق عاديا.. لكن وضعه في صورة أكبر أمام مليارات الإنفاق الاعلاني، تجعل المحطات الفضائية الخاصة في العالم تنظر اليه بقلق كبير.. بل وتسارع إلى دراسة هذه التحولات التقنية والسلوكية أيضا، من أجل الحد من هروب الاعلان من الشاشات العملاقة، إلى الشاشات الصغيرة بما فيها تلفزيون الانترنت.
فالقصة الرئيسية هي الإعلانات التلفزيونية وتحولاتها مع ظهور وسائل الإعلام الجديدة في شكل من أشكال التواصل المباشر والمتنقلة والاجتماعية، ولك أن تتخيل أن حوالي40% من السكان الولايات المتحدة الامريكية يستخدمون الانترنت للوصول إلى برامجهم المفضلة. وبالتالي توفير وسائل الترفيه دون انقطاع.
صحيح ان التلفزيون لازال المفضل لدى المعلن والمشاهد بشكل أكبر حتى الآن، لكن ملامح التحول والتغير في صناعة الاعلان واضحة وجلية، ولن يتوقف المعلن-التاجر- عن سلوك أي طريق من أجل الوصول للمشاهدين-المستهلكين-، ولن تتوقف صناعة الاعلام عن ابتكار طرق مختلفة عبر كل الوسائل للفوز بمليارات المعلنين.. عبر الشاشات الكبيرة أو الصغيرة!