الحمد لله الذي قدّر الآجال والأعمار، وكتب الفناء على كل الخلائق حين قال: {كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ* وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ}، والصلاة والسلام على خير الأنام، نبينا محمد وعلى آله وصحبه، أما بعد:
كثيرون هم أولئك الذين يرحلون عن هذه الدنيا الفانية، غير أن هناك من يرحل عنها ويترك فينا أثرا موجعا لا يخففه إلا الرضى بقضاء الله وقدره.
والحقيقة أن مثل هؤلاء الرجال يرحلون بأجسادهم لكنهم يبقون في القلوب بما تركوه فينا من ذكريات ومواقف لا تنسى، وبما طبعوه من بصمات يصعب على الزمان محوها.. إنهم فرسان الشدائد ورجال المهام الصعبة.
ومن هؤلاء الرجال: الشيخ الطرقي بن الشيخ فلاح الخيال الذي وافته المنية هذا اليوم السبت السادس والعشرين من شهر شعبان لعام 1436هـ، رحمه الله رحمة واسعة.
رحل الشيخ الطرقي بعد أن خلّد ذكرى عطرة وسيرة كفاح خدم خلالها وطنه ومجتمعه وقبيلته في منطقة الجوف، حيث حظي رحمه الله بثقة كبيرة لدى الأمير عبدالعزيز بن أحمد السديري وأبنائه الأمراء: (عبدالله وسلطان ونايف) رحمهم الله تعالى الذين أوكلوا إليه مهام عديدة كان من أبرزها توليه لإمارة الناصفة، فكان رجلا من رجالات الدولة الذين ساهموا في العمل الإداري والبناء الحضاري بالمنطقة لفترة تقارب النصف قرن، عاصر خلالها التطورات المختلفة والتحولات المتنوعة والقفزات الهائلة للمنطقة التي كان هو شريكا في صناعتها.
وللشيخ الطرقي -رحمه الله- مكانة عالية جدا عند قبيلته (قبيلة الشرارات) نظير جهوده التي قام بها ومواقفه التي قدمها لهم، ولذلك فإن قبيلة الشرارات فقدت بوفاته شيخا من شيوخها الأفذاذ، وركنا من أركانها العظيمة، وعلما من أعلامها المشهورين، فقد كان -رحمه الله- ذا صفات حميدة وأخلاق كريمة وجهود كبيرة ومواقف عظيمة، تذكر فتشكر في الوجاهة والإصلاح وقول الحق.
ولا يخفى على الجميع جهود والده الشيخ فلاح الخيال -رحمه الله- في استكمال توحيد الجزء الشمالي من منطقة الجوف ضمن بيارق قبائل الشمال الموالية للملك عبدالعزيز -رحمه الله تعالى-.
رحل الشيخ الطرقي وترك فراغا يصعب ملؤه، ومواقف تنوء عن حملها الأكتاف، وستفتقده كثيرٌ من الملمات، فقدنا فيه الرجل القوي، والمتكلم المفوّه الذي لطالما صدع صوته بالحق عاليا، إنه ليحزننا فقدك يا أبا سُهيل، فليس فقد مثلك بالشيء الهين، يا رجلا بحضور رجال، ويا نجما في السماء يُهتدى بضوئه.
أسأل الله العلي العظيم، رب العرش العظيم، أن يرحم الشيخ الطرقي رحمة واسعة، وأن يجعله في الفردوس الأعلى من الجنة، وأن يُعظّم لأهله وذويه الأجر والثواب في مصابهم الجلل، إنه ولي ذلك والقادر عليه، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم. {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
د. نايف السنيد الشراري - محافظة القريات بمنطقة الجوف