كانت مقالتي في السبت الماضي بعنوان (الأديب سليمان الحماد 1-2) ووعدتُ بأن أكملها اليوم بمطالعة في كتب المرحوم سليمان متوقعاً أنني سأكون قد عدتُ من خارج المملكة وصرتُ في مكتبتي التي تحتوي نسخاً من كتبه كلها.. غير أنني -لظروف خارجة عن رغبتي- لا أزال حتى اللحظة بعيداً، وهنا يتوجب عليّ (إرجاء) تكملة تلك المقالة..
وللإرجاء واقعة حدثت مع الأديب سليمان الحماد قبل أكثر من خمسة عشر عاماً، وأنا أشعر حتى الآن بالذنب تجاهها، لأنني لم أدرك ضرورة الإرجاء في تلك الواقعة.. حين شرع سليمان الحماد في كتابة رواية هو يعرف تماماً أنها ستكون كبيرة (من أربعة أجزاء) وكان وقتها يملك مطبعة اسمها (مطبعة الخزرجي) التابعة لمؤسسته الثقافية (مؤسسة إصدارات النخيل) -التي صدر لي عنها ديوان: التداخلات- ولأن المطبعة كانت معطلة عن العمل لعدم وجود فنيين وعمال محترفين في تشغيلها كما يجب، تعاقد سليمان الحماد مع مطابع أخرى -لا أذكر اسمها الآن- على طباعة رواية (الحصاد) في أربعة أجزاء، خلال عامين، على أن يسلمهم الجزء الأول خلال شهر من توقيع العقد لتتم طباعته. وهنا حدثت الواقعة التي كانت عفوية في بادئ الأمر، ثم أصبحت قاسية على أديب حسّاس تجرحه الكلمة غير اللائقة ويؤنبه ضميره وتلومه نفسه (النفس اللوامة) حين يشعر أنه قد أخطأ. فهل أخطأ سليمان الحماد؟
الرجل كان قد انتهى من كتابة الجزء الأول والجزء الثاني من عمله الضخم (الحصاد) ولم يكن العمل مجرد رواية، بل كان بمثابة ذاكرة عامة للحياة والمنطقة التي ولد وعاش شبابه الأول فيها، وذكريات لحوادث وحكايات لم يكن من السهل إيرادها في القالب الروائيّ الإبداعيّ الذي أراد له أن يكون توثيقياً موثقاً ليصبح موثوقاً به إلى أبعد مدى وآخر أمد تعيشه الرواية في الكتاب.. غير أنه، حين أراد تقديم الجزء الأول للمطبعة -في الوقت المحدد بالعقد بينهما- عكف على مراجعته مراجعة دقيقة لشدّة حرصه على إتقان هذا الكتاب، فوجد أن الجزء الأول يحتاج لمزيد من العمل على تحديد أسماء الأماكن وتواريخ الوقائع وصحة الوثائق؛ بينما الجزء الثاني كان مكتملاً تمام الاكتمال.
هنا اضطر الأديب سليمان الحماد -رحمة الله عليه- أن يقدم للمطبعة (الجزء الثاني) من رواية (الحصاد) ويكتب في تصديره (أرجأ المؤلف طباعة الجزء الأول من هذه الرواية إلى حين توثيق بعض أحداثها ووقائعها بالشكل اللازم) -أو بهذا المعنى تقريباً، لأن الكتاب ليس في يدي الآن- ثم كان ما كان.. تمت طباعة (الجزء الثاني) من الرواية، في كتاب، وساعدته أنا -بحسن نية والله- في إيصال هذا الكتاب إلى أدباء ومثقفين من دول عربية متعددة، وبعضهم كتب عن الرواية وبعضهم نوّه عنها بسخرية (كيف نقرأ الجزء الثاني والمؤلف أرجأ إصدار الجزء الأول؟!) وحتى من كتب بإطراء كان يختم مقالته بسخرية (الطريف أننا نتكلم عن الجزء الثاني بينما الجزء الأول لم يصدر بعد!).. وهكذا، كانت تلك الكتابات قاسية على الأديب سليمان الحماد، وكان يعتبر نفسه في أواخر عمره، ومرض السكّر قد اشتدّ عليه بشكل شرس؛ فكان من حقه أن يغضب أوّل ما يغضب مني أنا، بل ربما اعتبر أنني ورّطته بعدم تنبيهه إلى الخطأ الفادح في طباعة الجزء الثاني وتوزيعه قبل الأول، وبالتالي فأنا المتسبب فيما لحق به من تهكم وسخرية حين بادرتُ بإرسال نسخ موقعة منه (إهداءات) إلى مثقفين من خارج المملكة ولم يكونوا عارفين بأدب سليمان الحماد كما يجب، بل إنني لم أوضح لهم مسببات إرجاء طباعة الجزء الأول بالشكل الواقعيّ المقنع.
أختصر الآن وأقول: أرجو من الله أن يكون أخي وصديقي الأديب سليمان الحماد قد سامحني على ما بدر مني في تلك الواقعة، وأسأل الله أن يرحمه ويسكنه الفردوس الأعلى من جنات النعيم. ومقالتي هذه مجرد فاصلة بين الجزء الأول (سلامٌ على الدنيا إذا لم يكن بها) والجزء الثاني الذي سأعمل على كتابته، عن أعمال سليمان الحماد الأدبية، فور عودتي -الخاطفة ربما- لمكتبتي الخاصة في الرياض خلال هذا الأسبوع -بإذن الله-. فأنا سأعود من أجل ذلك، وهو يستحق وأكثر..
- بيروت
ffnff69@hotmail.com