في ظهيرة يوم الجمعة الماضية أطل علينا رجل طاعن في السن عرفه الناس حديثاً، معبراً عن فكره قبل شكله، مسنداً ساعده على أريكة، قرب جذوة من نار ليس ليصطلي بها بقدر ما يجد أنسه منها.. فيتلو شيئاً من قبس فكره.. وجدته مبعثراً في كل شيء إلا في رصانة عباراته.. كان لقاء عاصفاً، لا أعلم كيف أعرف صاحبه، فلست أدري: أهو فنان ترجل، أم فنان بدأ رحلة الظهور من جديد؟ كان هو ربان اللقاء، وقد أجاد تثبيت أشرعته الإعلامي عبدالله المديفر.
علي الهويريني.. أطل علينا فوجدته شفافاً يكابد مأساة صادقة.. فهو من شيد المباني.. وأجاد في روعة المعاني.. نعت المتطفلين، وأوغر في الغاوين.. هو شيخ طريقته، وصاحب ميتافزيقيا جديدة.. أستطيع أن أعبر عنها بحكمة الكلمة والمعنى.. مثل الشاعرية، أو هي تمثلت به.. سمعت فلسفة دينية تؤمن بأن الرسالة تبدأ من قوله تعالى: {إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ}، وجدت في ذلك اللقاء رجلاً يعيش حالة من المتعة الذهنية والرياضة العقلية.. تمخضت فولدت فوضى ثقافية خلاقة.. لديه ذائقة صوفية، التقت مع نظرة تدبرية عقلية.. فأثمرت حقيقة الإحسان.. هي الرمزية المستطابة التي جمعت حوله المريدين.
أقول إنه ذاق فعرف.. ومن عرف اغترف.. فهل كل من جمع أوعى.. لأننا بحاجة لإمام المعقول والمنقول.
لي مع اللقاء وقفات إيجابية وآخر سلبية.. وهي تلويحات دونتها واختصرتها في نقاط عدة.
* المقدم فتح مجالاً أكثر رحابة للضيف على غير عادة، دون مقاطعة تذكر فتذم.
* الضيف كان فاضلاً، يبحث عن مدينة فاضلة.
* الدولة والتلفزيون السعودي 50 عاماً في إعلان لا لإعلام.
* راقت لي تلك الإضاءة والخيوط الرفيعة حول ثورة التنوير وتحرير الشعوب.
* نظرة شمولية حول فقه الجهاد.
* التعرض بأصل الحكمة وطبيعة الحكماء.
* العلم وأحقية الجدل، وقصة الشجرة من الجذع إلى الثمرة.
* تصنيف الكتاب والشعراء إلى ثلاث طبقات.. إحداها آفاق.. جمع كلام الناس في أوراق ما بين دفتي كتابه.. قال وقال، وليس له رأي فيما يُقال.. وهم كتاب التاريخ والدين.. إن أعطي مدح وإن لم يعط بواق.. وهم كتاب السياسة والصحافة.
وثالثهم: واهن في سوق الأخلاق، يبيع اللحم الأبيض المتوسط في دكان العجز، بين الصدر والساق، وهؤلاء هم كتاب الشعر والرواية.
* وهناك ما خالج كل هذا الجمال، ولم يعجبني، وهو تعريضه بالمتنبي، والقدح في شخصه لا فنه.
* حديثه عن الفن المهاجر، وعن الغرباء، لم يصل إلى ما دون سمعي.. فليته سكت عنه.
* الخادمة.. كان ناقوس خطر، وكاد ينزلق فيه الأديب الأريب في متاهة مع البقية الباقية. خالد الطخيم على حد روايته.. فكيف برجل مثله، يبرر المشاركة بالمجاملة، وهو من ترك كل هذا العفن من أجل قضية أسمى.
- بندر القميع