د. عبدالواحد الحميد
سوء التغذية لا يعني بالضرورة أن الإنسان يُعاني من الجوع، فحتى أغنى الأغنياء ممن وُلِدوا وفي أفواههم ملاعق من ذهب قد يكونون ضحايا لسوء التغذية إذا كان الطعام الذي يتناولونه لا يحتوي على العناصر الغذائية الصحيَّة الأساسية التي تفتقر إليها الأطعمة السريعة التي اخترعت الولايات المتحدة معظمها، ثم شاعت في العقود الأخيرة في جميع أنحاء العالم.
وقد قامت مؤخراً الفاو، وهي منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة، بتكريم المملكة لأنها كانت ضمن عدد قليل من الدول لا يتجاوز عددها اثنتي عشرة دولة نجحت في الحد من سوء التغذية بحيث صار معدل انتشار سوء التغذية فيها أقل من نسبة 5 بالمائة.
نحمد الله على أن بلادنا ضمن الدول التي نجحت في تحقيق هذه النتيجة التي استحقت من أجلها التكريم، لكنني لا أدري ما هو التعريف الذي تستخدمه الفاو لتحديد مفهوم سوء التغذية.. هل يعني سوء التغذية عدم حصول الإنسان على معدل يومي معيّن من السعرات الحرارية.. أم يتجاوز ذلك إلى نوع الغذاء الذي يتناوله الإنسان واحتوائه على عناصر غذائية صحية أساسية؟.
عندما أتامل بعض الأطفال والمراهقين وحتى بعض كبار السن وألاحظ السمنة المتفشية أدرك أن مجتمعنا - ولله الحمد - لا يُعاني بشكل عام من النقص في الغذاء، بل ربما أن العكس هو الصحيح.
وعندما يحضر الواحد منا أي مناسبة اجتماعية نلاحظ الإسراف الشديد في تقديم الأطعمة بما يتجاوز حاجة المدعوين أضعافاً مضاعفة.
وحتى اللقاءات العائلية المحدودة يُقدَّم فيها الطعام بشكل مُبالغ فيه.
أما الأعراس والأعياد وحفلات النجاح (وأحياناً حفلات الطلاق، للأسف!) فحدّث ولا حرج.
هل يعني هذا أن الناس في مجتمعنا لا يعانون من سوء التغذية!؟ هذا السؤال يجيب عليه الأطباء وإخصائيو التغذية، لكن ما نعرفه كثقافة عامة أن سوء التغذية مُتَفَشٍ بين الكثيرين بمن فيهم الأشخاص مفرطو السمنة لأن الطعام الكثير الذي يتناولونه فقيرٌ جداً في مكوناته الغذائية الصحية، وغنيٌ بالدهون والأملاح والسكريات التي تفتك بالأبدان.
لقد اجتاحت مدننا وقرانا الأطعمة السريعة التي لم تكن معروفة عندنا، وهي أطعمة لذيذة المذاق لكنها غير صحية، وبسببها حدث عزوفٌ يكاد يكون شبه تام بين الأجيال الجديدة عن أطعمتنا التقليدية، مما يُنذر بمشاكل صحية كبيرة مستقبلاً لهذه الأجيال التي لا تُعاني، ظاهرياً، من «سوء التغذية» بالمعنى الرائج ولكنها ربما تُعاني من سوء بالغ في التغذية من الناحية الفعلية.
مبروك لنا تكريم منظمة الفاو العالمية، وعقبال التكريم الأهم وهو الذي نتمنى أن يأتي من منظمة الصحة العالمية.