جاسر عبدالعزيز الجاسر
يصنف المؤرخون العسكريون الحروب الكونية، أو المراحل التي مرت بها المعارك الحربية إلى أربع مراحل، مرحلة حرب السيوف والرماح والخيل والجمال، ثم مرحلة البارود والبندقية والمدفع وصولاً إلى استعمال الدبابات والآليات المدرعة ثم مرحلة الطيران والبوارج الحربية والغواصات وصولاً إلى تصنيع القنابل النووية التي ألقيت منها قنبلتان فوق مدينتين يابانيتين عجلتا بإنهاء الحرب العالمية الثانية.
بانقضاء الحرب العالمية الثانية طويت صفحة المرحلة الثالثة من الحروب التي شهدتها البشرية، وبعد طي صفحات المراحل الثلاث طرأ على التوصيف المرحلي توصيف مختلف ولم يعد مقتصرًا على الأدوات المادية كالأسلحة والمعدات، بل أدخلت كل ما يوظف لخدمة الحروب والمعارك التي تلجأ إليها الدول لفرض إرادتها وبسط نفوذها لتحقيق مصالحها، بل حتى نهب ثروات الشعوب كما حصل في حقبات الاستعمار والسيطرة والاستعباد التي طالت العديد من الأمم.
المفكرون الإستراتيجيون والمؤرخون العسكريون أدخلوا مصطلح الحرب الرابعة، بعضهم يعدها حرب التكنولوجيا، والآخر يدخل الإعلام من خلال توظيف (الميديا) واستثمار المعلومات لتغيير موازين القوى، أما من يتوافقوا مع ما يجري على الأرض، وهم مؤرخو الواقع فيصفون المرحلة، بمرحلة حرب الوكالة وحرب الوكالة تعني أن تورط القوى الدولية الكبرى، قوى محلية سواء كانت جيوشًا لدول إقليمية أو حتى جماعات مسلحة من خلال تعظيم الميليشيات المسلحة ومدها بالأسلحة والأموال وتمكين الأفراد من الانضمام لها وأصبحت هذه الميليشيات تنافس الجيوش النظامية، بل وحتى تفوقها عدة وعددًا، مثلما تمثله داعش الآن وحزب الله والحوثيون والأمثلة كثيرة، وهكذا بدلاً من تواجه قوات أمريكية قوات روسية، أو تتورط القوتان العظمييان توكل للآخرين خوض حروبها وبتكاليف أقل بالنسبة لهما ومكلفة لمن يقوم بالمهمة، وهكذا وبدلاً من تواجه أمريكا أو الحلف الأطلسي روسيا تورط أوكرانيا ويتكفل المعارضون في هذا البلد بمواجهة القوات الأوكرانية المدعومة من أمريكا وأوروبا، وفي الشرق الأوسط تتواجه القوتان من خلال الميليشيات التي وأن اتصفت بتعقيدات الانتماء إلا أن أهداف الاشتباك والمعارك والنتائج التي تسعى إليها القوى الدولية تفضح حروب الوكالة التي ليس بالضرورة أن تقتصر على القوى الدولية الكبرى، بل حتى القوى الإقليمية الطامعة في توسيع نفوذها للقيام بهذه اللعبة وتوكل للآخرين تنفيذ حربها، حيث يتميز النظام الإيراني في القيام بهذه العملية وهو ما يتم في سوريا والعراق ولبنان حيث تقوم الميليشيات الطائفية بالحرب نيابة عن الإيرانيين دفاعًا عن النظام ويسعون لتنفيذ أجنداته الهادفة إلى توسيع نفوذه وبسط سيطرته على العديد من الدول العربية.
آخر توظيف لنظام إيران لحرب الوكالة ما يقوم به الحوثيون ومرتزقة الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح الذين جذبتهم أموال إيران من حرب المتضرر الوحيد منها الشعب اليمني الذي تدور على أرضه حروب دامية أغلبها بين أبنائه، فحتى المرتزقة وميليشيات الحوثي الطائفية هم في النهاية يمنيون جندوا لتدمير بلدهم وقتل من يشاركونهم الوطن.
تقارير ودراسات الباحثين تصنف حرب الوكالة في اليمن بسعى النظام الإيراني من إثبات قدرته على التمدد في المنطقة العربية وحتى في الدول المجاورة لأفغانستان وأذربيجان وتهديد المصالح الأمريكية والغربية وحتى هزأ استقرار الدول العربية ما لم ترفع العقوبات الاقتصادية التي تهدد بسقوط النظام والوصول إلى اتفاق مع أمريكا والغرب ينهي مباحثات الملف النووي الإيراني حسب شروط النظام الإيراني.
وهكذا ومثلما عملت الميليشيات الطائفية في العراق وسوريا ولبنان على تحصين وحماية نظام إيران وتأخير سقوطه يعمل الحوثيون من خلال حرب الوكالة على فرض شروطه النووية على أمريكا والغرب.