د.ثريا العريض
في جلسة الأسبوع الماضي بحثنا في مجلس الشورى موضوع عقوبات التفحيط ضمن نظام المرور.. وقد شاركت في مناقشته والتعديلات في التوصيات السنة الفائتة كعضو في لجنة الشئون الأمنية. كل من يسوق سيارة يعلم بالتجربة أن سلامة الدفة والمحرك ووعي السائق ثلاثة من سبع ضرورات للسلامة.
الرابع هو حالة الطريق، والخامس هو قدرة التحكم السريع بحركة السيارة، والسادس هو البعد عن الحركات المتهورة سواء من السائق أو من الآخرين في الشارع قائدي المركبات الأخرى أو العابرين مشاة.. والسابع هو توازن الدولاب سواء من حيث جودة الإطار أو ضبط ضغط الهواء بداخل العجلات لتبقى المركبة متوازنة تتجنب الهزات العشوائية والتعرض لفقدان التوازن و الانقلاب.
وبغض النظر عن كل هذه التفاصيل قانون المرور في أيّ بلد لا يسمح بالتفحيط, ولا بتشجيعه, و لا بالوقوف والتجمهر للتفرج على من يمارسه.. التفحيط هواية خطرة يجدها البعض جاذبة وممتعة للتفرج أو للممارسة لإثبات إتقان مهاراتها, لكنها مهارة خطرة لا تتماشى مع التزام الجهات الأمنية بسلامة المواطنين.. ولذلك وضعت العقوبات وضوعفت مع التكرار.
ولكن التفحيط ليس الجرم الوحيد الذي يهم في قانون المرور.. كل يوم أنزل فيه إلى اجتماع بمؤسسة ما في الرياض يهاجمني الهلع من ممارسات مخالفي المرور و لابد أن نمر بحادث أو حادثين. فماذا تقترحون لإعادة الأمان إلى شوارعنا؟..
القيادة فن وعلم ومسؤولية.. ورقي في التعامل. وبين متطلبات قيادة السيارة بسلامة, ومسؤولية قيادة سلامة الأسرة والمجتمع والوطن كثير من المتشابهات.
أجد مشتركا بين رقي قيادة السيارة ومتطلبات التوازن للسلامة, وقيادة أيّ مؤسسة نحو تحقيق أهدافها بما في ذلك مؤسسات الأعمال والأسر والوزارات و الحكومات. لابد من إتقان مهارة التحكم الواعي والمعرفة العلمية بنتائج القرار وكذلك سلامة ووضوح الرؤية لحال الطريق وحال وسيلة الحركة. والثقة والجرأة مطلوبة لاتخاذ القرار السليم. والتهور مرفوض قطعاً.
المفحط يقامر بحياته وحياة الآخرين في ما يظنه مغامرة يرى نفسه قادراً على التحكم في نتائجها لصالح إبراز مهاراته المدروسة وإثباتها لنفسه وللمتابعين.. وصاحب مؤسسة العمل أو رئيس الشركة الذي يتخذ قرارات عشوائية متهورة يمارس المقامرة ببقاء الشركة. وكما قد تنتهي السيارة بالإنقلاب, قد تنتهي الشركة بالإفلاس.
ووالي الأسرة الذي يقامر فعلياً بممتلكاتها على مائدة القمار أو المخدرات يقامر أيضاً بأمن واستقرار مستقبل عائلته مادياً. وولي الأمر الذي يضحي ببناته القصر في سبيل تحقيق صفقة مكاسب مادية متبادلة بتزويجهن مسناً في عمره أو عمر جدهن.. يقامر بمستقبل بناته وفي الغالب يضحي بهن دون جريرة لهن.
ومسؤول الدولة الذي يتخذ قرارات أنانية أو عشوائية أو ملوثة بالفساد الإداري أو غير مدروسة, ينتهي بنتائج قاتلة تضرب الوطن في الصميم وتدخله حالة الطوارئ و ضرورة الإسعاف والإنعاش.كلهم مجازاً ممارس للتفحيط.. والتفحيط فعل محرم وممنوع قطعياً.. حقيقة ومجازاً..
ويبقى تحديد العقوبات و تنفيذها ليرتدع من لديه انجذاب لممارسة التهور والفساد الإداري.