د. أحمد الفراج
الكل يعرف أن شهر رمضان المبارك هو موسم «حصاد الدراهم» لتجار الدين، وعندما أتحدث عن تجار الدين، فأنا أستثني منهم الزهاد والعلماء الحقيقيين، وأعني بهم أؤلئك الذين أثروا ثراء فاحشا على حساب أتباعهم من الدهماء، فمن برامج تلفزيونية، إلى محاضرات باهضة الثمن، ومن رحلات فاخرة إلى كل أصقاع الأرض عدا أفريقيا، إلى سكن القصور وركوب السيارات الفاخرة، وما يتبعها من ملحقات، لا أود الدخول في تفاصيلها، ويحلم تجار الدين في الظهور من خلال قناة شهيرة، والويل لها، وللقائمين عليها إن هي لم توقع معهم العقود بالأصفر الرنان، والدولار الأخضر، فهي مطلب بعيد المنال، وقد اعتدنا، في كل عام، وبعد أن توقع عقود البرامج الرمضانية، ويجف الحبر، على الحملة الموسمية على تلك القناة ممن فاتهم قطار عقودها التي يسيل لها اللعاب!!.
افتتح الحملة على القناة واعظ شهير، وتبعه زملاؤه ممن فاتتهم عقودها، ثم تبعهم الدهماء، والمثير للسخرية هو أن الدهماء الذين يهاجمون القناة هم أول من «يسنتر» متابعا لها، ولبرامجها !!، ويتدوال الناس، بالوثائق المحفوظة، حكاية أحد الوعاظ، والذي هاجم شركة اتصالات معروفة، ويبدو أن القائمين على التسويق في تلك الشركة فهموا اللعبة جيدا، فقد وقعوا عقدا مع الواعظ الذي هاجم الشركة، فما كان منه إلا أن انقلب عن رأيه الأول، ومدح تلك الشركة، ضاربا عرض الحائط بأتباعه الذين نهجوا نهجه في هجومه على الشركة، فهؤلاء الأتباع من الدهماء، أو من يطلق عليهم « القطيع «، هم مجرد أدوات يستخدمها تجار الدين لمصالحهم الضيقة، وللأمانة فمن يؤجر عقله، ويصبح مجرد تابع ساذج، يستحق ما يأتيه، وقد كان الواعظ الذي هاجم القناة الشهيرة يعتقد أن ابتزازه للقناة سيجعلها توقع عقدا معه، مثلما فعلت شركة الاتصالات، ولكن خاب ظنه، فوقع عقدا مع قناة أخرى، ونتمنى أن يكون قد حصل على عقد مجزٍ منها، غفر الله لنا وله.
يذكرني تجار الدين، الذين يبنون مواقفهم، عطفا على مصالحهم الضيقة، بقصة شهيرة، وحقيقية، حصلت لواعظ « مسكين «، فقبل أربعة عقود، رحل هذا الواعظ من قريته النائية في أطراف نجد إلى الرياض، فعطف عليه شيخ ثري وكريم، وأسكنه في ملحق منزله الواسع، في أحد أحياء الرياض الراقية، وذات يوم قام هذا الواعظ المسكين ليلقي موعظة على المصلين، وتحدث عن حرمة التلفزيون، وكان ذلك في بداية دخول التلفزيون للرياض، وبعد أن تذكر أنه يسكن في منزل ذلك الشيخ الكريم، والذي يوجد تلفزيون بمنزله، استدرك، وقال للمصلين: «كل التلفزيونات حرام، إلا التلفزيون الذي في بيت أبو فلان، يقصد الشخص الذي يستضيفه في منزلة»، وحينها ضحك المصلون، وانصرفوا عنه، فيا تجار الدين: «لقد أصبحت ألاعيبكم مكشوفة، فاحفظوا ما بقي لكم من تقدير قبل فوات الأوان، فهل تسمعون؟!!».