أحمد محمد الطويان
المجتمع في السعودية تجاوز بنجاح محاولة إثارة الفتنة الطائفية، ليس مرة واحدة بل مرات عديدة، استخدم فيها «المستفيد» القول والفعل، تارة بتأليب السعوديين الشيعة وتارة بمحاولات اختراق الأمن الوطني، وإدارة حرب إعلامية معادية، وحملات علاقات عامة في الغرب تتحرك بدقة وعناية، ولكن كل ذلك لم يثني السعوديون عن خطهم السياسي، وتنميتهم الداخلية، وحرصهم على ترسيخ الوحدة الوطنية وتسييد ثقافة الدولة في مواجهة ثقافة التثوير الجاهلية.
استوعب «المستفيدون» بأن لا نجاح يمكن تحقيقه لإشغال السعودية بنفسها، وتقويض أمنها وإثارة ما يمكن «بحسب خيالهم الاستخباري» تفكيك الدولة وإسقاط كيانها، إلا بإستخدام أيادي سعودية، باستغلال الحماس الديني وخلق مؤديات التجييش والتأليب، واستغلال التطرف، استخدمته إيران في أحداث مكة المكرمة في 31 يوليو 1987 بإثارة الفوضى والشغب في موسم الحج، وكذلك في موسم حج 1989 عندما قامت مجموعة مولتها ودربتها إيران بتفجيرات وأعمال إجرامية في الجسور المحيطة للحرم المكي، كذلك قامت ايران بتدبير أعمال إرهابية منتصف التسعينيات في المنطقة الشرقية ودعمت استخباراتها عناصر ارهابية في الرياض للقيام بعمل تفجيرات، سجل أسود لاستخبارات «المستفيد» لم يتوقف على تجنيد خلايا شيعية متطرفة، وإنما أيضاً فتحت قنوات التواصل مع جماعات التطرف السني، عبر عملائها في أفغانستان منذ التسعينيات، ولاحقاً في العراق، واستضافتها لعناصر إرهابية تنتمي للقاعدة وعوائلهم.
جماعات التطرف السنية لا تختلف كثيراً عن التطرف الشيعي الذي ترعاه إيران، والتطرفان لا يعكسان بأي حال من الأحوال المذهب الديني، بل استخدامهما للدين سياسي لا يمت بأي صلة للشعارات الإعلامية التي يطلقانها، والهدف المشترك قرب الطرفين وجعل بينهما علاقة مصلحية عميقة على مستوى القيادة، أما الأتباع فلا يدركون في الغالب ولا يعرفون إلا ما يريد القادة تعريفهم به.
«الحجتية» الخبيثة التي تؤمن بأن نشر الفساد في الأرض يعجل في ظهور المهدي المنتظر كما يروجون، ويصاحب تحقيق الهدف الديني المزعوم هدف سياسي في إثارة القلاقل بالمنطقة لصالح إيران، جماعة الحجتية التي تأسست في عام 1953 على يد محمود الحلبي، ومرت في مراحل مختلفة من عداء الثورة والتحالف مع الشاه إلى حلف جديد في الثمانينيات مع الولي الفقيه وتوزير عدد من رموزها، واستغلت الاستخبارات الايرانية أتباعها من الدراويش المغيبين، هي من أسهمت في احتضان إيران للتنظيمات المتطرفة السنية وعلى رأسها القاعدة إبان حكم محمود أحمدي نجاد وبمباركة الولي الفقيه، وأوجد لاستهداف الشيعة تخريج شرعي برعاية متطرفي النظام المسيسين مثل مصباح يزدي.
اللعبة مكشوفة ومعروفة والاعترافات مسجلة في محاضر الجهات الأمنية، إيران تلعب لعبة استخبارية خطيرة في السعودية بالتحديد، وهنا أتحدث عن ذراع استخباري ضمن أذرعة الثورة التي ترتدي عباءة الدولة.
تريد إيران باختصار شديد أن تجعل الشيعة السعوديين يشعرون بالانتماء لإيران والإحساس بالأمان لأنها الحامية لهم ولمصالحهم، وهذه بالطبع كذبة وخدعة كبرى، لأن حكومة الثورة والولي الفقيه المزعوم لا يمثلون المذهب الشيعي، وإن كان مذهبهم دينياً إلا أنه لا يعتبر مذهبهم السياسي، وللسياسة في طهران مذهب مصلحي يبرر كل الوسائل غير المشروعة للوصول الى الأهداف، والعرب الشيعة الذين هاجروا إلى إيران في الثمانينيات يعرفون هذه الحقيقة جيداً، فالنظام الإيراني عنصري لا يهمه المذهب، والأهواز ذات الأغلبية الشيعية ينكل بأهلها لأنهم عرب، والمصالح التوسعية القائمة على الهدف السياسي الثوري جعل أذربيجان ذات الأغلبية الشيعية في قائمة الأعداء ووقفت من منطلق قومي إلى جانب جمهورية أرمينيا المسيحية في الحرب التي دارت بين البلدين على مقاطعة ناغورنو كاراباخ.
تفجير «القديح» الجمعة الماضية الذي أدمى قلوب السعوديين، واستخدم فيه «المستفيد» مراهقا جاهلا ينتمي لعصابة «داعش» هو امتداد للعملية الإرهابية في «الدالوة» وعمليات أخرى أحبطتها قوى الأمن الداخلي بكفاءة واقتدار، ولعصابة «داعش» استراتيجية استخبارية خطيرة في التجنيد والتنظيم والاتصال، ويجب أن تتم مواجهة الخطاب المتطرف الذي تسوقه وتتبناه هذه الجماعة بكل حزم وقوة، هذه الجماعة التي استخدمتها إيران لتعطي قبلة الحياة لنظام بشار الأسد في سوريا، وفي خلق واقع جديد يساند المخطط الإيراني في العراق، وفي معاونة الجهد العسكري لعصابات الحوثي بمحاولة إشغال السعودية..
لا شك بأن «المستفيد» أفقدته «عاصفة الحزم» صوابه وعصفت بما تبقى فيه من عقل، وبضربة قوية كشفت الجهات الأمنية عن هوية الارهابي، ومخطط الخلايا الارهابية والخلايا التي أحبطت مخططاتها، وهذه ضربة ضمن ضربات موجعة أعلن بعضها ولم يعلن كثير منها لاعتبارات أمنية ومتطلبات التحقيق بحسب مصادر مطلعة.
الداخلية السعودية متيقظة وحماية الأرواح والممتلكات هو واجبها الذي لم تقصر به يوماً، وسجلت نجاحات باهرة تتجدد في محاربة الإرهاب، وكل مدينة أو محافظة أو بلدة في السعودية سيدافع عنها أبناء الوطن كل الوطن بكل قوة وعزم وحزم.
ورسالة الملك سلمان بن عبدالعزيز إلى ولي عهده وزير الداخلية فيها من المضامين ما يؤكد بأن السعودية ستقتل أي فتنة في مهدها، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بأرواح المواطنين،، فشهداء «القديح» في قلب وطن يكرم شهداءه ويعلي شأنهم ويقدر دماءهم الزكية.. وطننا واحد، والمواطنون سواسية عند ملكنا العادل سلمان بن عبدالعزيز.