د. خيرية السقاف
ليس جديداً أن تُطرح فكرة مراقبة ما يباع في الأسواق، والمكتبات، ومحال بيع الأجهزة الإلكترونية للأطفال، تحت كل مسمى, وجهاز عرضه، حيث سبق, ومنذ البداية حين دخولها لأسواقنا، أن كتبنا عن مخاطرها، وأبعاد محتوياتها، وتأثيرها في سلوك وأفكار الصغار، سواء منها ما يتضمن العنف، وثقافة القتل، وتدابير القتال، والميل لحمل السلاح، وتنمية روح العدوان، وأساليب السرقة، وحيل الإيقاع بالفريسة، إلى جانب ما كان منها يؤسس لتعزيز الشخصيات العدوانية في نفوسهم، كذلك تأثير الشخصيات الفنية الفارطة في الانحلال التي تقدمها الأشرطة والألعاب ونحوها، الأمر الذي دفع بحرصهم إلى اقتناء ما يمثلهم في الملابس, والألعاب، والمشي وطريقة الكلام، بل تقليدهم في تسريحات الشعر، وأساور اليد والعنق، بل في مخارج الحروف، ونغمة الصوت..
والأدهى تلك القيم الخلقية والدينية التي تتبناها برامج ومحتويات الألعاب الإلكترونية, والمواد الإلكترونية الأخرى التي تصل إلى كثير من التحلل الأخلاقي في توجيههم لبناء العلاقات بين الجنسين بطريقة غير مناسبة للتربية القويمة التي ينبغي أن ينشأ عليها ناشئ الفتيان منا...!! فبدل أن ينشأ على ما يعوده أبوه ينشأ على ما تعلمه هذه الوسائل..
نعم، لقد كتبنا كثيراً، منذ عقود، وما بعدها، ونبهنا كثيراً إلى سلوك وأخلاق الناشئة جراء كل المؤثرات الوافدة إلى عقر الدار، بل إلى أضيق بقعة يتحرك فيها الصغير ويختلي بألعابه وأجهزته..
لكن المسؤولين بجميع فئاتهم لم يعيروا ما كُتب ويُكتب في هذا الموضوع وغيره أي اهتمام، هذا الاهتمام كنا نجده قبل عقود من الزمن من أمثالهم، حيث كانوا يتفاعلون مع الكلمة، ويتجاوبون مع الأفكار، بل يتبنون المقترح، وينفذونه على أرض الواقع...!!
ربما لأن مزاج نظرائهم الآن في الناس يتجه نحو الانتقائية، والإقصائية، فلا تجدهم يتجاوبون إلا مع من ينتقون, ويتخيرون، حسب درجة التحمس للفكرة، أو لصاحبها...!!
ومع هذا، فإننا نأمل اليوم أن يأخذوا بمقترح لجنة النقل والاتصالات وتقنية المعلومات بمجلس الشورى في هذا الخصوص بجدية، فإن أخذوا بها فلعلها ترمم المعطوب, وتصحح النتائج.. وتستدرك ما فات..
فالسوق مكتظ بالمنتج الذي لا يفيد الصغار، ولا الشباب، بل يغذيهم بما لا يجدي..
ولقد حمل مشروع اللجنة المذكورة (فرض عقوبات على من يبيعون ألعاب الفيديو والـ»بلاي ستيشن»، التي تحتوي على العنف ومشاهد القتل والتدمير). وحدد النظام الذي يحمل عنوان «نظام المراقبة على الألعاب الإلكترونية».
ولقد أكد عضو اللجنة الدكتور عوض الأسمري أن «هذه الألعاب تعلم فئة الأطفال والمراهقين كيفية ارتكاب الجرائم، وتنمي في عقولهم العدوان والعنف، علاوة على ما تحتويه من مواد مخالفة تتعارض مع تعاليم الدين وعادات المجتمع، من خلال دعوتها للرذيلة ونشرها لسلوكيات خاطئة».. (الوطن 30 مايو)
لكننا نضيف إليها جميع المواد الإلكترونية المقدمة للأطفال، بمختلف أوعيتها، وننشد الرقابة على ما تقدمه القنوات الفضائية من القصص المدبلجة والمترجمة في برامج الأطفال التي لا تقل مؤثراتها عن هذه الألعاب في سلوك الصغار والمرهقين الفكري، والحركي، والنفسي..
عسى أن يتم الأخذ بالمقترحات من حيث تأتي، تلافياً للعقوبات التي تضمنها مقترح الشورى من سجن, وغرامة..!
ولاسيما أن الواقع الذي استدرج فيه ثلل من صغارنا ومراهقينا للعنف والقتل خير شاهد على الانفتاح غير المجدي لكل مستورد..!!
إذ في غالبية ألعاب الأطفال الإلكترونية وما تقدمه لترفيههم ثقب أسود، استدرج كثيرهم للانزلاق في سراديب الخطأ، والشر، والفراغ.. بل الميوعة, والهشاشة..