رجاء العتيبي
أزمة جمعية الثقافة والفنون كمنشأة ثقافية، هي ذاتها أزمة المنشآت الثقافية الأخرى، لا تستطيع أن تناقش منشأة وتترك أخرى، فكلهم يمثلون منظومة واحدة، أما مصدر الأزمة فيعود - في تقديري - إلى نظرة المجتمع قديماً من (الثقافة والفنون) وطالما أنّ المجتمع لا يعيرها اهتماماً لأسباب (دينية وقبلية وتاريخية).. جاءت الخطط الخمسية والعشرية بدون مشروع ثقافي واضح ودقيق كاستجابة طبيعية لاهتمامات الناس في ذلك الوقت، لدرجة أنّ المسؤولين الكبار في مناطق القرار لا يعرفون ماهية العمل الثقافي محلياً، سوى (شتات ثقافي) هنا وهناك، حتى أنهم لا يستطيعون أن يخصصوا (للعمل الثقافي) ميزانية يمكن قياسها تفي بجميع المنشآت الثقافية، فصاحب القرار ليس له (قبيل) ثقافي واضح المعالم يتحدث إليه.
المأساة تاريخية، فمنذ ذلك الزمن البعيد قبل (60 سنة) تقريباً، والنظرة للعمل الثقافي والفني لم تتغير لا مالياً ولا إدارياً ، ولم يأت بعد مسؤول (ثقافي) استطاع أن يغير هذه النظرة ويعيد للثقافة والفنون وجاهتها وأهميتها، فهذا النوع من المسؤولين مازال في نظرنا (بطلاً منتظراً).
من جانب آخر، الجميع يسأل الآن، لماذا هناك مجالس اقتصادية وسياسية، ولا يوجد مجلس ثقافي أو مجلس للفنون، وهناك أسئلة أخرى، لماذا لا يوجد ابتعاث ( في مجال الثقافة والفنون). وحتى في الخطط الجديدة للابتعاث - قبل أيام - تم التركيز على (سوق العمل) ابتعاث منتهي بالتوظيف في مجال مبيعات الخطوط السعودية، والأعمال الطبية والصحية، ولكنك لا ترى برنامج ابتعاث في المجال الثقافي والفني.
ما نراه اليوم من ضعف في العمل الثقافي والفني وإهمال مستمر لهما، هو نتيجة تراكمات تاريخية واجتماعية، كانت تتوجس خيفة من الثقافة والفنون، وانسحب ذلك على كل الأزمنة ، واكتفى أصحاب القرار بالفسحة الصغيرة التي يتنفس من خلالها المهمومون بالثقافة والفنون، بشرط أن لا تتعدى الفسحة أكبر من ذلك، بدليل أنّ ميزانية جمعيات الثقافة والفنون بجميع فروعها الـ 16 ، هي: 13 مليوناً منذ سنوات طويلة، والأندية الأدبية مليون لكل ناد، وتسمّى (إعانة) وليست ميزانية، وما زال الدمج قائماً بين الثقافة والإعلام، ومازال أهل الثقافة والفنون والأدب يواجهون اعتراضات شديدة من فئام من المتشددين دينياً، كلما حاولوا أن يزيدوا من مساحة عملهم.
باختصار، إذا انصلح أمر الثقافة والفنون في الخطط الخمسية، انصلح أمرها في سائر البلد. إذا باتت الثقافة والفنون مشروع دولة، تخلصت تلقائياً من كل عوائقها، معالجة الجذور أولى من ضياع وقتنا في مناقشة النتائج الضعيفة الحالية.