رجاء العتيبي
السؤال المطروح: كيف (تدار) الثقافة لدينا، أو كيف ندير الثقافة؟ والمقصود بذلك (العمل الثقافي) بشتى أنواعه وألوانه واتجاهاته، وإذا ما رحنا نلقي نظرة سريعة عليه، سنرى (كيانات) مختلفة، كل منها يدير الثقافة بطريقته وسياسته وميزانيته، فلكل منها مدير مستقل بذاته، لا يلتقي مع المدير الآخر لا في الاستراتيجيات ولا في السياسات العامة للمنشأة، ولا في الأهداف.
ويبعد الأمر أكثر من ذلك، حيث نرى تضاربا في المهام، وتكرارا في الأعمال، واختلافا في الرؤى والاتجاهات، بصورة أضعفت المنتج النهائي للثقافة، وبات الكيان متكلسا، يعيد إنتاج ذاته، حتى فقد المثقفون والفنانون الثقة في أي عملية إصلاحية تطالها.
هذه المؤسسات الثقافية الحكومية الكبرى، مثل: وكالة الوزارة للشؤون الثقافية، وكالة الوزارة للعلاقات الدولية الثقافية، جمعيات الثقافة والفنون، الجمعيات النوعية ( المسرحيين، التشكيليين، الخط العربي، الكاريكاتير، التصوير ) مركز الملك فهد الثقافي، لا تعلم أن هناك اتجاها إعلاميا جديدا يمكن أن يطمرها خلال السنوات القادمة، يتمثل في: الإعلام الاجتماعي بكل تنوعاته، الذي بات يقدم محتوى ثقافيا وفنيا وترفيهيا منافسا، ولو كانت تعلم، لعدت للأمر عدته، ولكن المشاهد أنها تعيش في زمن غير زمنها على كافة المستويات، ما جعلها الآن، خارج النسق الثقافي العام، حيث تعمل في نطاق ضيق لا يعرفه سوى القريبين منه، الأمر الذي تقلصت معه (الفئة المستهدفة) وفقدت فيه جماهيريتها لصالح الإعلام الاجتماعي.
المؤسسات الثقافة الكبرى مهمتها أن (تصنع) ثقافة، وليس أن (تصنع) إجراءات ورقية طويلة، وروتين يومي مكرر لا يفي بتطلعات المثقفين والفنانين، عليها أن تعيد النظر في ترتيب بيتها من الداخل، وكيف يمكن أن تشكل مع الكيانات الأخرى المماثلة تكاملا يعطي لها مكانة وأهمية وتأثير.
أولى الخطوات في تقديري: جمع الثقافة في كيان واحد، تأسيس البنية التحتية، إيجاد نظام وقانون يعمل الجميع من خلاله، وضع قنوات استثمارية دقيقة وواضحة، بحيث تكون هي أساس العمل الثقافي، استقطاب رجال الأعمال بعد أن نهيئ لهم بيئة قانونية آمنة، ويتأكد هذا إذا عرفنا أن رأس المال ( جبان ) بطبعه، وغير مستعد أن يعمل في بيئات (مزاجية) تعتمد على المسؤول الكبير فيها، ما لم تحكمها قوانين مصادق عليها من الجهات الرسمية، وأخيرا العمل من خلال أدبيات الإعلام الاجتماعي والتطبيقات الذكية الحديثة، دمج الأقسام المكررة، حيث نرى: قسم مسرح في أكثر من جهة، وقس على ذلك بقية الأقسام الفنية، إنشاء أنظمة للعمل الفردي الحر، تصريح عمل للجماعات، والمجموعات، والأفراد، والفرق، بحيث تنفذ هذه الجماعات أعمالها في أي وقت وأي زمن، تحت إشراف عام من الكيان الثقافي الحكومي الراعي لهذه الأنشطة، دون أن يأخذ إذن في كل مرة.