عبدالحفيظ الشمري
بتنا هذه الأيام أمام الأخبار والمعلومات في تجاذبات وتباينات واضحة، لتجعل الكثير منا يزهد فيها، وقد لا يعول عليها كثيرا كحالة تلقي مثالية.. فانقسمنا إزاءها إلى فئات أو أنواع أو فرق.. فنوع -كما أسلفنا- يزهد في مثل هذه الأخبار التي تتوافد بشكل كلاسيكي معتاد.. فلا ينظر إليها إلا من قبيل أن ينتقدها، بل ويسمها كثيراً بعدم المصداقية.
وفريق ثانٍ من هؤلاء المتابعين لا يزال محافظاً على عادته في تلقي الأخبار حتى وإن كانت مكررة ومعادة، أو أنها تتسم بالطرح النمطي المألوف، وقد يتعداه إلى ذلك بأن يتابع ما تبثه وسائل التواصل الاجتماعي التي باتت تمتزج فيه المعلومة بالخبر بالإشاعة مع قليل من المهنية، وكثير من الرؤية المتعجلة، فهذا الفريق من المتابعين أصبح مدمناً ويتعاطى الأخبار، بل يحلل ويقارن ويسمع كل رؤية، ويقف عند أي خبر مشابه أو معارض حتى يتعب ويمرض، وترتفع لديه كل الضغوطات وتهاجمه الوعكات.
أما الفريق الثالث وهو الطريف فهو الذي يرتبط بالقنوات التقليدية أو الأولى ليأخذ كل ما تقوله حتى وإن زعمت تلك القنوات أن عالمنا سيهدأ، وستختفي أرقام القتلى، وستخف صور الدمار، وستتلاشى نسبة الكذب والادعاء، بل تسوق لرؤية أن فلسطين ستتحرر قريباً.
وعلى ذكر تحرير فلسطين -أعادها الله إلى أهلها- تَرِدُ هنا طرفة رواها أحد الأصدقاء حينما قال: وجدت والدتي المسنة والمقعدة وهي تجلس في سريرها مبتسمة وسعيدة على غير عادتها، فما كان مني إلا أن سعدت وتفاءلت، ولكي أستطلع الأمر سألتها عن مصدر سعادتها لترد ببهجة عفوية: «أبشرك يا ولدي حَلَّوْا قضية فلسطين، وباكر الصبح كل الفلسطينيين يرجعون إلى بلدهم!»..
يقول: ما كان مني إلا أن أكملت سعادتي المنتشية من سعادة والدتي، إلا أنني كررت عليها السؤال عن مصادرها في هذا الخبر الطيب!.. لتجيبني بأنها سمعتها من قناة لا تعرفها، لكثرتها وتزاحم الفضاء بها. فما كان مني إلا أن حاولت أن أعرف منها أي قناة عربية هي التي بثت هذا الخبر المبهج لي ولأمي.. فقالت: ما أدري.. وأضافت: «لكن عليه يا وليدي شماغ وعقال»..
ليضيف أنه ما كان منه إلا أن قال لها: كيف كان وجهه وهو يقول الخبر.. أهو مبسوط، أو يضحك..؟؟ فردت الأم بعفوية: «ما شفته زين، بس سمعته وأنا متأكدة أنه قال إنهم حَلَّوْا القضية.. يا ربي لك الحمد ولك الشكر»..
فقصة أو حكاية أم صديقي هي من النوع الثالث الذي ينهل من معين نمطية بعض الأخبار العربية التي يزين أهلها ما يريدون، ويقبحون الأشياء على المزاج والرغبة والحب والكره، بل إن أكثر الأمور شعورا بالخيبة حينما تحل القضايا الكبرى كـ»فلسطين» بهذه الطريقة الإخبارية المسلوقة جدا من أجل سهولة الهضم.
أما الفئات الأخرى من المتابعين والمشاهدين فهم الذين يصنعون بذاتهم مثل هذه الأخبار والطرف والحكايات في أجهزتهم الشخصية وجوالاتهم، ليصوغوا من أي وهم أو ظن أو إشاعة أو معلومة مزيفة، إلا إنهم على استعداد أن يصدقوها حالما تنتشر بين الناس في إطارها التقليدي والنمطي مما يعزز وجود مأزق حقيقي في موضوعية مثل هذه الأخبار والمعلومات التي يتم تداولها اليوم عبر وسائل التواصل الحديثة، لتكون مصداقية هذه الأقنية المعلوماتية أكثر صعوبة وتعقيدا من أي وقت مضى.