شعر وجداني يعالج هم الإنسان ويشخص حالته
تبث المفردة الشعرية في ديوان محمد الخضري «الموت سهواً» شعريتها، ومساحة شوقها وألقها، أمام القارئ، ليلتقط في هذا الخطاب الوجداني رسالة الشاعر المعبأة بفكرة الجنون حباً، والتيه شوقاً، ورسم الكلمات المعبرة، ومزج ألوان لوحة الحياة برؤية حالمة، وسعيه الثابت والأصيل إلى أن يوجد لهذه الانثيالات واقعاً جمالياً، يؤصل ملكة الشعر، وتوارد الإبداع الذي حُمِلَ على مفاصل كل ما هو وجداني في قاموس حياتنا.
فرغم أن الشاعر محمد الخضري يسم ديوانه بصيغة الموت إلا أن قصائده تنم عن حب للحياة والجمال، ومقدمات للولع والدهشة بمخلوقات الله الجميلة .. تلك التي يفرد لها الكثير من الشواهد والعبارات، إلا أنه يرسم الموت كحالة مجازية حينما يجد أن اليأس في سبيل الحب هو جزء من رسالة الموت التي جعلها هنا سهواً، وفي مقابل الموت قصداً، أي أن الإنسان معرض في الأساس لحالات الفقد واليأس، حتى إنه قد يموت على نحو معنوي، ومن ثم موت عابر وغير مؤثر.
فالشاعر هنا يستدعي كل صور الوجدان كالغيم والمطر، وبهاء البحر، وصفاء المحيطات، وترقرق الأنهار النائية، وخضرة وجمال، وربيع تغني فيه الكائنات، إلا أنه يضع هذه الصور في إطار واحد يحفز فيه العلاقة بين الإنسان وبين من يحب، لتخرج هذه الصور معبرة وفريدة، وتنهل من معين الشوق والوجدان على نحو القصيدة «تعال يا مطر»:
«كان وعد المطر
أن يأتي ربيعاً
وكان وعدك
أن تأتي مع الربيع
فلا أتيت أنت
ولا أطل الربيع
لا أنت .. لا مطر..»
فالرؤية الشعرية في مثل هذه القصائد في الديوان لا تبارح خطابها الوجداني، بل إنها تكون أشد حضورا في وصف العلاقة بين محب وحبيب، لتنهمر في هذا السياق لغة الشعر التي لا تغرق في مضمونها الفلسفي بقدر ما تستدرج فصاحة الشعر الذي يذيب شيئا من الجليد حول علاقاتنا الإنسانية التي يجد الشاعر فيها فرصة للبوح بما يكنه من لواعج وهموم تسكن القلب والوجدان.
فالفكرة التي تقوم عليها القصائد لا تخرج عن مضمون البوح في شوق واضح إلى حياة جميلة، ورؤى تؤصل للفكرة الشعر الذي يعالج هم الإنسان، ويشخص حالته، ويسعفه في مواقف كثيرة حينما يصاب في ألم الحب، فلا شيء غير القصيدة من تواسي الشاعر وترفع من معنوياته لينهض للحياة من جديد..
«فوق كف الشمس
على غربها وشرقها
كتبت احبك
على خد القمر
على ثغر الغمام
على جناح يمام ..
أحبك .. كتبت أحبك»
يتعلق الشاعر محمد الخضري وهو يتلو قصائده الواحدة تلو الأخرى بخيط رفيع من المعاناة الوجدانية التي يستنبط لها الكثير من الصور ويحرك بعض الدلالات التي ترسم همه، وولعه باقتفاء حساسية هذا الخطاب المعمق في الشعور، ولاسيما صورة الإنسان الذي يبحث عن ألق لحياة هانئة في زمن عز فيه الحب وندر حتى بات قطعة من الذكرى والحنين، وبعض أبيات تختزنها الأفئدة.
فهو هنا يجاهد ويصارع القبح العصري، ومثبطات الزمن، وعبث الحياة المعاصرة، وجفاف العلاقات بين الناس، فمن القصيدة يولد الفأل والأمل بان يكون الواقع مع مسحة من ضياء الوعد لعله يخرجنا من نفق العوز الوجداني في هذه الإضمامة الشعرية المنتقاة بعناية ودراية شعرية يمتلكها الخضري منذ أن أدرك أن الشعر لا بد أن يكون علاجا ناجعا لحالاتنا الوجدانية التي تنتظر مزيدا من الأمل ببرئنا من منغصات كثيرة.
أسلوب الوصف في هذا الديوان يعمد إلى الاسترسال في مكنون ودواخل النفس البشرية، ليستنبط الفكرة الرئيسية التي تدور في الغالب الأعم حول معاناة الشاعر وبحثه الدائب عن مفردات جديدة وجميلة في قاموس الشعر الذي يحرض على الحب، وعلى التأمل وانتظار الآتي بشكل أنيق وغير يائس حتى وإن دهمته الكثير من صور التيه والضياع إلا أنه يظل متمسكاً بالأمل والفأل كجزء من رسالته الإبداعية الجميلة..
«كانت تأتي كل صباح
تخط على باب الأفق
صباحك أنا
فتسكب عطرها الفواح»
بيئة النصوص في هذا الديوان تدور حول الحالة التي يعيشها الشاعر، ويفتش عنها، على نحو بيئة الشعر الجديد الذي ينهل من خطابات متحولة لا تقر عند فكرة معينة إنما هو انطلاق في عوالم رحبة، وحياة متمادية، مليئة بالصور التي تستحضر المكان الذي يدور حوله معنى الشعر في هذه القصائد.. تلك التي تحفزه في الغالب على أن يقارن بين الكثير من الصور التي تتركها لحظات التأمل للحياة من حولنا.
** ** **
إشارة:
«الموت سهواً»
شعر محمد الخضري
دار فضاءات - عمان - الأردن 2015م
يقع الديوان في نحو (136صفحة) من القطع المتوسط.