عبدالحفيظ الشمري
من أجمل الأخبار التي سمعنا بها قبل أيام من أحد الباحثين الذين يُعْمِلُونَ عقولهم في الدراسات والبحوث، حينما أشار إلى «أن السعادة حالة نفسية مُعْدِيَة».. وقد تنتقل من شخص إلى آخر حالما يكون هناك توارد للخواطر الجيدة، والرؤى الجميلة، والشعور بالسعادة والطمأنية، وتداول الأحداث المبهجة، ونقل الأحاديث اللطيفة، وما إلى ذلك من صور جميلة قد تسبب انتقال هذه العدوى الإيجابية، وليتها تتفشى بين الناس، لتحقق السعادة أهدافها، لا سيما في ظل هذا التزاحم على كل ما هو مادي واستهلاكي قد يبعث التعاسة واليأس.
ورغم أن تواتر مثل هذه الدراسات والبحوث لم تؤكد بعد أن هذا الشعور بالسعادة هو حالة وجدانية خالصة، لأن هناك من يربطها بجانب مادي محسوس على نحو تفشي عناصر كيميائية مركبة في الذات البشرية تسمح بمرور هذه الهواجس الجميلة، لكنها قد لا تكون مفيدة أو ناجعة، ويستدلون بذلك على أن محفزات السعادة في عصرنا الراهن كثيرة، لكن آثارها محدود، وسرعان ما تزول.
فنحن إذا بحاجة إلى تشخيص وعلاج صحيح، لنتفاعل مع السعادة بوصفها حالة قابلة للانتشار والتمدد والتغلغل في ثنايا المجتمع ولتكون ـ كما يشيرـ هذا البحث إلى أمر السعادة: أنها شكل من أشكال العدوى الإيجابية، لعلها تكون عامل رشد ويقين بأن السعادة كائن جميل، أو حالة وجدانية لطيفة، تتنقل بيننا، لتخفف ما وسعتها الحيلة من غلواء حياتنا المعاصرة، المليئة بالخيبات، والهواجس غير المفرحة.. تلك التي قد تجعل بيننا وبين السعادة ما يشبه الخصومة والقطيعة.
كما أن «الحب» ـ إكسير الحياة ـ ليس ببعيد عن حالة «السعادة» وعدواها الجميلة من حيث الشكل والمضمون، إلا أن حالة الحب تحظى بتوهج عالٍ، وانفتان قوي من قبل الناس لا سيما ما يغدقه الشعراء والمحبون والرسامون والرواة المفوهون من كرم أوصافهم للحب برؤية مستفيضة، إلا أن السعادة فيما يبدو غالبًا ما تحشر في زاوية معينة.. حتى تكون كحلم بعيد المنال، أو أن تكون مجرد ممارسة لا تلقى الوهج المناسب عند كثير من الناس، لتكون السعادة فقط بضاعة العقلاء الحكماء والدراويش.
ومن منطلق هذا التهيؤ الجميل والظن الحسن، وبما أن السعادة باتت ـ بحمد الله ـ حالة مُعْدِيَةٍ فهذا يعني أننا بحاجة للبحث عن مجموعات يتفشى فيها أمر السعادة، ولنحاول قدر الإمكان مخالطة المتفائلين ومعاشرة السعداء، على قول المثل الشعبي البسيط: «من جاور السعيد سيسعد»، لكي تكتمل رؤية العالم الجميل الذي يجاهد في بناء مشروع السعادة الإنسانية.
ومن أجمل ما يميز حالة «السعادة» أنها شعور إنساني لا علاقة له بالمال أو الشهرة أو المجد أو رغد العيش أو رقي الأصول ودنوها، إنما هي حق مشاع للجميع، لكن يتطلب تقويته وإشاعته بين الناس كمفهوم ضروري يفيد حياتنا المعاصرة.
الأجمل من ذلك أن يتم إنشاء أو قيام «جمعية السعداء» أو «منظمة السعادة» أو أن يتم اعتماد يوم عالمي للسعادة، نسعى من خلاله إلى تدبر معاني هذه التجربة الإنسانية الفريدة في تكوين الحياة منذ الأزل، فلعلنا نجد من يناصرها، ويذود عن معانيها وقيمها النبيلة، لعلها تنتشر وتحقق أهدافها، فأبرز ما يمكن أن يقال عنها: إن السعادة ليست مجرد مكاسب ومغانم مادية؛ إنما هي شعور إنساني فريد.. ولعلها تصدق رؤية هذا الباحث وتكون «السعادة» حالة معدية، تغمر الجميع بفيض بهائها، ونبل مقاصدها.