سعد بن عبدالقادر القويعي
تَبَنّى تنظيم داعش الإرهابي المحاولة الإرهابية الفاشلة، التي حاول - من خلالها - استهداف المصلين في مسجد العنود في الدمام، وذلك خلال صلاة الجمعة، وقالت حسابات موالية للتنظيم الإرهابي: إن الانتحاري الهالك الذي حاول تفجير المسجد، يلقب بـ«أبي جندل الجزراوي»؛ ليتأكَّد أن بث تنظيم داعش لفتنتي - الطائفية والتكفير -، يعتبر وسيلة مهمة بالنسبة إليهم؛ من أجل تمزيق أوصال الأمة، وتدمير أساس قوتها، باعتباره هدفًا يعمل على تحقيقه أعداء الأمة، حتى لو انتهج فاعلوه سياسة العنف في معالجة المشكلات، والقضايا المجتمعية؛ لترقى إلى مستوى الإرهاب المنظم، الذي استهدف تخريب اقتصاد دول، وتهديد استقرارها.
وإذا أريد للتاريخ أن يشهد، وللواقعات أن تستجلي على الغير، فإن ما يحدث من حولنا، ينبئك عن عمق الألم، وحجم المأساة، حين تحولت المجتمعات الإسلامية إلى ساحات غير محصنة أمام الحروب الأهلية، وسفك الدماء، وثقافة العنف، والترويج للتدخل الإقليمي في الشؤون الداخلية للدول، - خصوصًا - وأن أحد خيوط المخابرات الأمريكية، بالتعاون مع المخابرات الإنجليزية، والموساد الإسرائيلي في منطقة الشرق الأوسط، عملت على تشكيل تنظيم «داعش» الإرهابي؛ من أجل إحداث نوع من الفوضى في معظم دول المنطقة، -لا سيما- سوريا، والعراق، وتهرئة الأنظمة الحاكمة، وجعلها سهلة التحكم، والانقياد. والحفاظ - أيضًا - على أمن إسرائيل، والعمل على تحقيق مكاسب مادية، كالاستحواذ على مصادر الطاقة، - إضافة - إلى تحقيق مكاسب سياسية لدول، تملأ الفراغ السياسي في المنطقة. وهذه الإستراتيجية يؤكدها -أيضًا- تعاون أجهزة مخابرات تلك الدول، وبتنسيق مع طهران؛ لخلق تنظيم إرهابي، قادر على استقطاب المتطرفين من جميع أنحاء العالم في مكان واحد، في عملية يرمز لها بـ«عش الدبابير».
كتبت مرة، أن للفكر الجهادي التكفيري، الذي يمثله اليوم تنظيم داعش، بعد انتهاء صلاحية تنظيم القاعدة في أفغانستان، يعتبر مؤشرًا خطرًا على المشروع السني، الذي باركته قوى الاستخبارات العالمية، والإقليمية؛ لإنتاج تنظيمات جديدة، وتأسيس خلايا متشددة، تتفق لغتها حول الإرهاب؛ من أجل الوصول إلى مشروعهم الوهمي -زعموا-، وما علموا أنهم يحققون أهداف أمريكا، وإيران في منطقة الشرق الأوسط باسم الطائفية؛ وسعيًا لتغيير ملامح أنظمة الحكم، واستقرار شعوب المنطقة.
سياسة تكفير الأنظمة، والدول، والفصائل، ومحاولة الانفراد بالسيطرة، والنفوذ، والتشدد في تطبيق الشريعة، وتنفيذ إعدامات عشوائية، -إضافة- إلى إضعاف القوى الإسلامية المعتدلة، كالجيش الحر في سوريا، هو مبدأ براجماتي، انتهجها التنظيم تحت شعار: «الغاية تبرر الوسيلة»؛ ولأن غايتهم، هي دولة الخلافة الإسلامية بأي وسيلة كانت، فلا بأس أن يستند التنظيم على النظام الإيراني، وهو ما تؤكده الإثباتات، والوثائق، وجوازات السفر التي وجدها الجيش الحر، والمجاهدون في مقرات داعش، بعد اقتحامها إثر دحرهم لعناصر «داعش»، بأن تلك الجوازات، والوثائق، هي إيرانية يستعملها ضباط، وعناصر «داعش» في العراق، وسوريا، وأن الكثير من قيادات «داعش» مرتبطة بالمخابرات الإيرانية حسب قول -الأستاذ- أحمد عبدالحافظ. كما أورد الناشطون في الثورة السورية، وثائق تثبت تورط إيران، ودعمها لداعش - من خلال - تسجيلات مصورة، وصور جوازات سفر إيرانية بحوزة بعض عناصر من تنظيم داعش في العراق، والشام. وقد استندت صحيفة «الإندبندنت» البريطانية على هذه التسجيلات؛ لإثبات أن أصحاب هذه الجوازات قد دخلوا إلى إيران، وروسيا - خلال - أيام الثورة، وأن لديهم شرائح اتصالات إيرانية، وروسية، وهذا ما يثبت عمالتهم للمخابرات الإيرانية، والروسية الذين سبق لهم استخدام هذا الأسلوب في إجهاض الجهاد في الشيشان.
لا يشك عاقل، بأن الفكر التكفيري المتشدد، الذي يمثله تنظيم داعش، سيسهم مع سياسات قذرة في تأجيج حروب أهلية، وطائفية في المنطقة؛ لتقسيم البلاد العربية، وهو أمر واقع - مع كل أسف -، كما هو الحال في العراق، ثم سوريا، تمارسه على أرض الواقع الميليشيات المسلحة، والجماعات المرتزقة؛ ومن أجل تهديد أمن دول الجوار؛ ولخدمة الأهداف اللإستراتيجية للهيمنة الصهيوأمريكية على منطقة الشرق الأوسط بأكمله. ويكفي أن - السفير الأمريكي الأسبق في العراق - روبرت فورد - سفير واشنطن في دمشق سابقًا -، والضليع في مجال بناء العلاقات مع التنظيمات المتطرفة، كان له الدور الكبير، والمؤثر في نشأة داعش. وهو ما أكَّده مستشار الأمن القومي الأمريكي في البيت الأبيض «زبيكنيو برجنيسكي»، الذي قام بتصميم مشروع «العرب الأفغان الجهاديين»، بأن القوى العالمية، قد نجحت في إصدار خلايا الأصولية الإسلامية المتطرفة في المنطقة، وبدعم من أجهزة الاستخبارات المتحالفة مع تلك الخلايا بشكل مباشر، أو غير مباشر؛ مما جعلها تتضخم بشكل واسع، وتقوم بعمليات لوجستية وحشية؛ ولتبقى أجهزة الاستخبارات الدولية، هي المستفيدة من أعمال هكذا تنظيمات إرهابية.