حسن اليمني
لم يكن الطموح الصفوي وليد ثورة الخميني ولكنه يبدأ من القرن الرابع عشر الميلادي على يد صفي الدين الاردبيلي في أذربيجان ثم يأخذ شكل التنظيم والتأثير على يد إسماعيل الصفوي في الربع الأول من القرن السادس عشر الميلادي الذي حول العقيدة من الصوفية إلى الاثني عشرية وفرضه جبرا على سنّة الفرس
والقوميات المجاورة لها لتبدأ مرحلة إنهاك الدولة الإسلامية منذ العام 1524م.
في العام 1923م انهارت الدولة الإسلامية وتمزقت شظى إلى دويلات انشغلت بذاتها تحت وصاية وحماية دول متقدمة عسكريا واقتصاديا وتأسيسا, وحين قامت الثورة الإيرانية بزعامة خميني تحت راية الحكم الإسلامي زعماً حتى وإن كانت بوجه مذهبي إلا أنها سرعان ما أعلنت منذ البداية عن رغبتها في تصدير الثورة وهو الوجه الآخر للفعل التوسعي الإمبراطوري وأسست لذلك فرق عسكرية منها ما هو مختص بحماية الثورة ومنها ماهو مختص بصناعة الأذرع ورعايتها فيما هو خارج الحدود السيادية للجمهورية الإيرانية, وكانت الحرب العراقية الإيرانية في عهد الرئيس العراقي الراحل صدام حسين التي دامت قرابة الثماني سنوات كفيلة بإجهاض الحلم الثوري الخميني لولا أن الغزو الأمريكي للعراق وإسقاط البوابة الشرقية للمنطقة العربية أمام إيران أتاح لها العودة مجددا وبقوة حتى وصلت لاحتلال غير مباشر للعراق وسوريا ولبنان واليمن وحضور قوي في أفريقيا وآسيا مع غياب شبه تام للمنظومة العربية التي انشغلت في تفكيك هويتها العربية والإسلامية بغية حماية مكتسباتها الضيقة من ثوابت الهوية التي تضعها في مواجهة قوى لا قبل لها بها.
في الوقت ذاته كان لتحول المجتمعات العربية من الأمية إلى العلم والوعي مع دخول تقنيات التواصل والإعلام أثر عظيم ارتقى بالوعي والفكر العربي إلى ما هو أبعد من حدوده المقيدة بالمخاوف والحذر لدى النظم الحاكمة, ثم كانت زلازل الربيع العربي لتزيد الطرفين الحاكم والمحكوم بعدا في المسافة في اتجاهين متضادين منح إيران الفراغ الكافي للتوغل أكثر وأكثر في الشأن العربي حتى صارت ركنا أساسيا ومهما ومؤثرا في أي تحرك عربي, بل إن ذلك خلق حالة من التحالف اللا منطقي بين ما أفرزه الضعف والخنوع العربي من منظمات وعصابات تزعم أنها خرجت من نطاق هذا الضعف والهوان لتعمل ضده وبين تمدد صفوي يعمل في اتجاه خرق الوعاء العربي والدخول في تركيبته وتعديلها بما يتلاءم وطموحاته في حلف غير منطقي بين نقيضين جمعهما مسار واحد وإن اختلفت الأهداف.
في مثل هذا المناخ المعقد المحبط جاءت عاصفة الحزم كحالة استيقاظ في المنظومة العربية الحاكمة بعد يأس عام في الوعي المحكوم وتمادي طاغي في الجوار الطامح مما شكل شبه صدمة لدى الطرفين, الوعي العربي الذي ابتهج واستبشر ببزوغ فجر جديد التف حول عاصفة الحزم وأيدها وساندها في حين فقد الطموح العدواني صوابه وكشر عن أنيابه لتتغير صفحة الوجه الجيو- سياسي للواقع العربي وتنكشف ملامحه وتفاصيله إلى الحد الذي اسقط أقنعة الزيف والتظليل عن الفعل السياسي وأصبح الكل يتحدث ويفعل تحت العنوان الحقيقي لموقفه, في حالة أشبه ما تكون برفع الغشاوة عن عين أعمش فنظر بذهول لألوان الصورة بطبيعتها الحقيقية، وكان خطاب زعيم حزب الله الأخير واضحا مباشرا في مذهبيته وولائه لإيران ضد العروبة, الغريب العجيب أن هذا يحدث في الوقت الذي نرى الصور تقلب بشكل عجيب في أحد الأقطار العربية خلافا لمنطق العقل ما جعلها غائبة عن الفعل والأثر وقد يكون ذلك من أسباب وعوامل النجاح لعاصفة الحزم باعتبار أن التنافس في القيادة كان واحدا من أهم أسباب تعطل المسيرة العربية.
أخيرا فإن عاصفة الحزم كفكرة بعيدا عن العمل والهدف المرحلي هي وثبة ويقظة في الوعي استطاعت أن تجمع أهل الرأي والفكر وأهل السياسة والفعل في موقف واحد متجانس متحد, وسيكون له ثماره العظيمة حين يترسخ ويصبح رسما إستراتيجيا تبنى عليه السياسات والعلاقات الدولية ومنهج لعلاج مشكلات المنطقة العربية برمتها وهذا لن يتم قبل بناء القوة من خلال إعادة مأسسة الدولة العربية تحت هويتها الحقيقية التي يلتف حولها الجميع.