لقد كانت السنوات التي أمضاها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز على سدّة الحكم حافلة ومتزاحمة بالإنجازات، وقد انتقلت المملكة العربية السعودية بكل مدنها وقراها وهجرها وحتى صحاريها انتقلت خطوات بعيدة نحو المستقبل ويوازي ذلك نقلة نوعية للإنسان في هذا الوطن (مواطن ومقيم) نحو آفاق عالية من الوعي والعلم والمعرفة مع مزيد من الرفاه والأمان وحماية الحقوق، وكل هذا ويوازي هذا وذاك نقلة متقدمة للغاية في إعادة وتطوير النظم والإجراءات وإصلاحات في أهم المؤسسات كالقضاء والصحة والتعليم وخدمات الإسكان وإعانة النشاط الفردي وإبراز الأخطاء والنواقص في خطط التنمية السابقة تمهيدا لمعالجتها، وليس هذا وحسب رغم شموله واتساعه بل اهتم بالعقل والوعي ومواكبة التحضر في العالم من خلال إتاحة أكبر مساحة لحرية الرأي في وسائل الإعلام ونشر الكتب وإثراء الثقافة العامة.
رحل خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز آل سعود والوطن في أوج نشاط التطور والتقدم إلى درجة لا تكاد ترى مدينة أو قرية أو هجرة أو صحراء إلا وقد غصت بالمشاريع وكأنما صار الوطن من أطرافه إلى أطرافه في ورشة بناء مستمرة، ومن الصعب على سطور محدودة أن تفي وتحصي ما يتوجب ذكره إلا أن الوطن في عهد الملك الراحل تغير بشكل جذري في كل الاتجاهات، فقد كانت الرؤية والأهداف واضحة في ذهنه رحمه الله وكانت العزيمة والإصرار على التطوير والإصلاح بمثابة الإيمان الراسخ الصادق المخلص، بادله الشعب بالحب إلى درجة يمكن أن ينظر لها المتابعون كظاهرة فريدة تستحق التأمل والتفكير.
كان رحمه الله قوياً أميناً جريئاً محنكاً صادقاً مخلصاً في كل خطوة يخطوها، وكان ينظر في كل أمر بمنظاره وأبعاده الحقيقية فتارة يكون القرار التدريجي ذا الخطوات المحسوبة وتارة يكون القرار مفاجئاً وصادم ليحدث الأثر المطلوب، لم يكن يحابي ولا يواري في سبيل تحقيق المصالح العليا للوطن، وقد كانت (كائن من كان) ميزة وعلامة مسجلة لعهده رحمه الله، فالقرار لم يستثن أحداً على حساب أحد وكانت الوجهة دوماً نحو المصلحة العامة أولاً وأخيراً، ولعل أهم وأقوى المسارات التي سار في اتجاهها رحمه الله التأسيس نحو الجيل الثالث من أحفاد المؤسس تأميناً لاستمرار واستقرار مسار الوطن كله بأمن وسلاسة شهدنا أولى ثمارها في مبايعة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز وولي عهده صاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبدالعزيز بصورة ما زالت تذهل العالم المراقب والمتابع منذ وفاة الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمه الله.
إن عهداً لم يتجاوز التسع السنوات كان غنياً وثرياً بالإنجازات التاريخية التي لن تنسى أبداً لمليكنا الراحل، فقد انتقلت فيه بلادنا من مرحلة إلى مرحلة أخرى متقدمة ومتطورة بشكل يكاد يكون إعجازياً، مستثمرا موارد الوطن التي حباها الله سبحانه وتعالى لتغص البلاد بالمشاريع وصناديق الادخار بالمال المحفوظ لتقلبات الزمن ليمضي خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز إلى مثواه الأخير مطمئناً تصاحبه دعوات مواطنيه بكل صدق تدعو له بالمغفرة والرحمة وأن يجزيه الله خير الجزاء على ماقدم، ولا نقول إلا ما يرضي الله.
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}