حسن اليمني
كشفت عاصفة الحزم بعيداً عن نوعيتها العسكرية وأهدافها السياسية عن دروس بالغة الأهمية، لعل من أهمها على الإطلاق إجلاء نتائج السياسات المتبعة منذ عقود، ووضعها على المحك الفعلي كأرضية صلبة لانطلاقة صحيحة وسليمة، تحفظ للأمة هيبتها وتحمي وجودها وتاريخها. وهي إذن عاصفة حزم وعزم، تقلب صفحة الاستكانة من التاريخ، وتسطر صفحة اليقظة الحقيقية.
فلقد كنا إلى ما قبل أشهر معدودات نتألم ونعتصر بحسرة ونحن نرى المخالب الإيرانية تعبث بأمن العرب القومي نيابة عن الكيان الصهيوني، بألسنة ووجوه عربية إسلامية بكل أسف، وبشعارات عنترية جوفاء، كالموت لإسرائيل والموت لأمريكا، وتمثيل دور المقاومة والممانعة العرجاء، تلك التي ترفع عقيرتها ضد عدو ظاهر وواضح؛ لتخفي عداءها هي، حتى استطاعت أن تخدع سواداً عظيماً من العرب والمسلمين، بل تهز أمن واستقرار دول عربية في داخلها من خلال استقطاب كثير من مفكريها وأصحاب الرأي والفكر فيها وبعض المغيبين طائفياً إلى جانبها ضد بلدانهم، أو على الأقل ضد سياسات بلدانهم، في خدعة كبيرة وعظيمة، استطاعت النجاح بشكل لافت في تمرير عداوتها البينة والظاهرة كما هو واضح في العراق؛ لتجعل الاصطفاف مع حزب الله التابع لها كموقف سليم يحتم وقوف المفكرين والمثقفين العرب والمسلمين ضد مواقف بعض الدول العربية التي كانت منذ البداية تعرف الحقيقة المخفية، وكانت الحاجة تستدعي غضبة عربية جادة وحقيقية في مواقف حاسمة، لكن ذلك لم يتم.
وحين أعلنت المملكة العربية السعودية انطلاقة عاصفة الحزم إذا بالأمور تنقلب رأساً على عقب؛ لتتكشف الحقيقة، وتتجلى للأبصار والعقول. وكان من بين أهم الفوائد السريعة أن ارتد العقل العربي إلى ذاته؛ ليعود إلى مساره الصحيح، ويصطف المفكرون والمثقفون بمختلف اتجاهاتهم الفكرية نحو قياداتهم، ويقفوا معها صفاً واحداً لأول مرة منذ قطع النفط في حرب رمضان عام 1973م، لا بل إن الموقف هذه المرة موقف تجاوز الفرح والابتهاج إلى الراحة والاطمئنان، وأصبح خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أمل الأمة الإسلامية والعربية وصانع تاريخ في المحفل الدولي الذي استيقظ مذهولاً صباح يوم الخميس 26/ 3/ 2015م على واقع عربي مختلف تماماً عمّا ركن إليه من فهم خاطئ لغيبوبة العرب، أو سلم بخمود الفعل العربي.
لقد فعلها سلمان إذن، وأصبح اليوم أمل العرب والمسلمين وزعيمهم بلا منازع. ومن أروع ما يمكن أن يقال هنا إن عاصفة الحزم والعواصف تتسم عادة بالهيجان وعدم الانضباط إلا أنها فاجأت الجميع بدقة تخطيطها وبراعة التنفيذ؛ ليقف العالم كله ذلك اليوم مذهولاً، تتأرجح فيه المواقف بين المصدق والمكذب والمشكك، في حين أنهت عاصفة الحزم مهمتها في القضاء على دفاعات عصابات الحوثي وحليفه علي صالح خلال أول خمس عشرة دقيقة؛ ليتوقف الجميع عن الثرثرة وصناعة المأمأة السياسية؛ فقد حسم الأمر. إن حضور رجل الحسم في الرياض على المشهد الدولي أظهر العرب بعد غياب، واستفاقت الأمة التي أثخنتها الجراح المتواصلة؛ لتنهض من جديد بروح الشباب المتجدد حتى لم يستطع علي خامنئي كتم ذلك وإخفاءه حين أشار إلى حضور المحمدين (محمد بن نايف ومحمد بن سلمان)، وكأنه ظن أن العقل جبن، وأن الحلم ضعف؛ ما جعله يتمدد بأحلامه من العراق إلى سوريا إلى لبنان ثم إلى اليمن. ثم إن من بين الفوائد الجمة التي أجلتها عاصفة الحزم أن تمتحن المواقف، وتتكشف نتائج السياسات التي اتبعت في العقود الخالية، وهي وإن فاجأت البعض أو خيّبت آمالهم إلا أنها كانت بليغة الدروس، وعافية، تصحح السياسات المستقبلية في الوقت الذي نثق فيه تماماً بقدراتنا دون الحاجة لأحد، وهذا من فضل الله أولاً ثم بفضل السياسة الدؤوبة في تقوية جيشنا العظيم بأفضل أنواع التسليح، إضافة إلى لحمة دول مجلس التعاون الخليجي ومن ورائهم الأشقاء والأصدقاء. ثم إن سلامة الموقف القانوني في الاستجابة لنداء الشرعية في اليمن المحتل من قِبل إيران يخرس كل لسان.
لقد بالغت إيران في غطرستها وتجاوزاتها كل مبلغ، ولم ينفع معها صبر وتجاوز وتحمل حتى قادها هذا الغرور المقيت إلى ثورة غضب عربية، سبق أن جربتها مراراً وتكراراً، وانكسرت أمامها في كل مرة، لكنها فيما يبدو لا تعي الدرس. واليوم وهي تنشط بسياستها نحو الحلول الخداعية بالحوار والتفاوض فعليها أن تدرك أن عاصفة الحزم لن تنتهي إلا بحسم واضح وجلي بين أمرين، أو هكذا أتمنى: إما العودة إلى العقل واحترام الجيرة والمظلة الإسلامية التي تجمعنا؛ فتتجه معنا إلى البناء وتنمية الاقتصاد والتعاون البناء، وإلا فلتتحمل العواقب. والله المستعان.