عمر إبراهيم الرشيد
كنت قد تطرقت في مقالي الفائت إلى الثقافة الرياضية لدينا قاصداً كل ما يتعلّق بهذا القطاع الحيوي الذي يتعدى كونه مجرد ترفيه إلى كونه رافداً اجتماعياً واقتصادياً وصحياً في أي مجتمع متقدّم. ولأن موضوعاً كهذا لا يمكن اختصاره في مقال قصير فقد رأيت الكتابة هذا الأسبوع تتمة لما قبله. ولعلي أذكّر القراء الكرام بمسائل في غاية الأهمية،
وهي استغلال المباريات والحضور الجماهيري فيها والذي يعد لدينا ضمن الأعلى عالمياً، في بث الوعي الاجتماعي وتعزيز السلوكيات الحضارية ونبذ التعصب والتطرف والفئوية. ومسألة الكوادر الإعلامية الرياضية وتأهيلها، إضافة إلى تضمين تخصصات الإدراة الرياضية والتدريب وعلم النفس الرياضي وكل ما يتعلق بهذا الرافد الحيوي، ضمن برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي.
لنأخذ أولاً مسألة الحضور الجماهيري لمباريات كرة القدم، ففي بعض المباريات يتجاوز عدد الجمهور ستين ألفاً، يحضر بعضهم إلى الملعب عصراً حرصاً على الحصول على المقعد المناسب، علماً بأن المباراة تُقام من بعد الثامنة ليلاً. هذه المباريات تعد مهرجانات تمتد لساعات طوال وهي ترفيه بحد ذاتها خصوصاً لدينا في المملكة مع محدودية مرافق الترفيه، لكنها كذلك حتى في أوروبا وأمريكا اللاتينية. فهلا فكرت الرئاسة العامة لرعاية الشباب مع وزارة الشئون الاجتماعية والتربية والإعلام وغيرها من القطاعات ذات الصلة، في استثمار هذه المباريات خاصة قبل بدئها وما بين شوطي المباراة في إقامة عروض فنية هادفة تحمل رسائل تعزِّز السلوك الحضاري في كل مجال وترفع من الوعي الاجتماعي. هذه العروض أما أن تكون على هيئة فواصل درامية تمثيلية أو مسرحية تعلي من شأن القيم وترفع الذائقة الجمالية وتعزِّز القيم الإسلامية الأصيلة. أو أن يقدم نجم رياضي يحظى بشعبية وتأثير، كلمة إلى الجمهور يتحدث فيها عن ظاهرة سلبية ناصحاً الشباب بمكافحتها والابتعاد عنها، أو عن قيمة حضارية شبه غائبة فيشجعهم على الحرص عليها. ثم لماذا لا تبث في الإستاد أغان وطنية أو رياضية تشجع على الروح الرياضية وتنبذ التعصب، ومقطوعات موسيقية عالمية هادئة تساعد على رفع الذائقة الفنية للجمهور وحتى على هدوئه بدل التشنج المصاحب للتشجيع.
أما مسألة الإعلام الرياضي وكوادره، فلا يخفى على القراء الأكارم أن شيوع التعصب الرياضي لدينا من أهم عوامله أن كثيراً من المشتغلين في الإعلام الرياضي ضعيفون في تأهيلهم المهني والثقافي، وهذا ينعكس على وعيهم وبالتالي هم من يؤجج نار التعصب، قلت كثير منهم ولم أقل أكثرهم أو كلهم فلا أعمم. هذه المسألة وغيرها مثل، الإدارة الرياضية، التدريب، علم النفس الرياضي والذي يرتبط به الإرشاد والتوجيه ويحتاجه مدراء الكرة في الأندية والمنتخبات، إضافة إلى إدارة الاحتراف وإدارة أعمال اللاعبين، كل هذا وغيره مما له علاقة بالرياضة كصناعة ورافد اجتماعي واقتصادي وقطاع حيوي وترفيهي، يحسن بالرئاسة العامة لرعاية الشباب الاستفادة من برنامج خادم الحرمين الشريفين للابتعاث الخارجي لابتعاث أعداد كبيرة من الشباب لدراسة كل هذه التخصصات في الجامعات المعروفة دولياً في هذه المجالات. هذا من جانب، ومن جانب آخر، الاستفادة ممن سبقونا في هذا المجال من أندية عالمية مرموقة وشركات وكيانات متخصصة، فليس في ذلك عيب أو منقصة، بل العيب في تجاهل الخلل وادعاء الكمال أو الاكتفاء فهذا قلب الداء واصل العلل، والحكمة ضالة المؤمن أنىَّ وجدها فهي له. ولننظر إلى اللاعبين الأفارقة، بل والعرب الذين احترفوا في أوروبا وكيف أسهم احترافهم هناك في إفادة أوطانهم في عدة نواح من بينها رفع مستوى منتخباتهم، إضافة إلى تشريف بلدانهم بحسن تمثيلها.
إن ايلاء هذه الأمور من قبل رعاية الشباب ورئيسها الأمير عبدالله بن مساعد وهو المعروف بحسه الإداري والاستثماري كفيل بإذن الله باستغلال قطاع الرياضة كما ينبغي وجعله رافداً حضارياً يسهم في القوة الناعمة للمملكة، حتى نرى لاعبينا يركضون في ملاعب أوروبا وأمريكا اللاتينية عاكسين صورة حضارية عن بلدهم. إن الإمكانات التي أوصلت منتخبنا إلى كأس العالم لدينا منها الآن إضعافها لو أحسنا استغلالها، تلك المسابقة التي عرفت العالم بنا أكثر من النفط، أوليست هي تجمع دولي يعرف دولاً وشعوباً ببعضها ويخلق فرصاً لم تكن لتخلق بتدبير الله ثم بضخامة هذه المسابقة الدولية بكل ما تعنيه الكلمة. قطاع الرياضة لدينا ينوء بحمله من الفرص الاجتماعية والاقتصادية وتنمية رأس المال البشري، فلنحسن استغلاله، طابت أوقاتكم.