عمر إبراهيم الرشيد
ربما يرى بعض القراء أن هذا المقال يفترض أن يكون في القسم الرياضي من هذه الصحيفة، لكن النشاط الإنساني العام مرتبط ببعضه تؤثر وتتأثر أنواعه ومساراته بعضها في بعض.
لياقة لاعب رياضي وبنيته الجسمانية ومهاراته في لعبته أيا كانت، لن تمكنه من مواصلة تفوقه أو إحراز بطولة ما لم يسند ذلك كله أخلاق رياضية وثقافة عامة، تلك الثقافة التي تمنحه بعد النظر والأفق المفتوح وإدراك أن لعب مباراة
ما في أي لعبة لن يكون الفوز فيها مضمونًا دائمًا ولا حقًا مكتسبًا دون الآخرين.
ثقافة تمنحه وعيًا يمكنه من تقبل الخسارة من المنافس دون اعتبارها عارًا يوجب محوه بأي طريقة ممكنة، حتى لو كانت تلك الطريقة ضرب المنافس أو شتمه والتقليل من شأنه فقط لأنه فاز.
هذا المستطيل الأخضر، وأنا هنا استحضره كمثال باعتبار أن كرة القدم هي اللعبة الأولى محليًا وعالميًا، أقول هذا المستطيل يبدو وكأنه مسرح يؤدي فيه عشرات الأفراد من لاعبين وحكام ولاعبي احتياط وإداريين أدوارهم، على اختلاف ثقافاتهم وتوجهاتهم.
ولن أتطرق إلى سلوكيات بعينها إيجابية أو سلبية، لكني أشير إلى أن النشاط الرياضي بشكل عام والكروي بشكل خاص يقع تحت العين الشعبية الراصدة بكل ما فيه حتى قبل ثورة الاتصالات، فما بالك ووسائل التواصل الاجتماعي وقد غدت إعلام الجماهير عبر العالم.
وبالرغم من أن فئة أساءت استخدام تلك الوسائل ليس فقط في الرياضة إنما في كل مجال، إلا أن هذه الوسائل استطاعت أن تشكل وسائل توعية ورصد وضغط بيد الجمهور، تكشف سقطات وأخطاء وتعديات سلوكية ظن مرتكبوها أنهم بمأمن من عيون راصدة، خصوصًا أننا كشرقيين نخشى الفضيحة أيًا كانت، ونحاول قدر الإمكان مداراة أخطائنا وهذا في العموم، وإلا لكل أمة عقلاؤها وأشقياؤها.
ولا ينحصر أثر الوعي والثقافة الرياضية والعامة وأهميتها في اللاعبين كما هو معلوم، بل هي في المنظومة الرياضية كلها.
ولنضرب مثلاً بدل التنظير، هل إغراء لاعبي فريق ما بمكافآت مضاعفة في حالة الفوز على منافسهم، هل يصنع هذا الإغراء رياضة احترافية ولاعبين يمكن أن يمثلوا بلدهم في المحافل الرياضية الدولية تمثيلاً احترافيًا لا عاطفيًا؟.
أليس من المفترض أن اللاعب يمثل فريقه ويمارس لعبته هذه من منطلق رياضي وتنافسي نظيف، علمًا بأنه لا تناقض بين الروح والانتماء الرياضي لفريق ما وبين تقاضي مرتب ومخصصات مالية من ذلك الفريق طالما أن الرياضة أصبحت عملاً احترافيًا ومهنة، بل صناعة قائمة بذاتها تحرك نشاطات خدمية وترفيهية واقتصادية أخرى.
إنما تخرج عن هذا المسار إذا اشعرت إدارة هذا النادي أو ذاك أن اللعب والمنافسات هدفها المال ولا شيء غيره، ومنها كما قلت التسابق من قبل بعض الأندية في إغراء اللاعبين قبل المباريات الحاسمة بالمال والمكافآت.
إن لعبة كرة القدم لدينا كما هي عربيًا وعالميًا تعدت كونها مجرد لعبة إلى مهرجانات ومناسبات بل وصناعة كما قلت، أحسنت الدول التي سبقتنا في هذه اللعبة في توظيفها لتكون صناعة ترفيهية تدر المليارات، وسنت لها قوانين منظمة صارمة، فصارت الكرة جواز عبور لمحترفيها العالميين عبر القارات.
بينما ما زالت اللعبة لدينا غالبًا تنحصر في الفوز واعتبار الخسارة أمرًا مستبعدًا أو عارًا يجب الحذر منه، حتى فقدت كلمة الرياضة معناها المرتبط بترويض النفس لتتهذب الطباع وتسمو الأخلاق.
هذا في تقديري ما يحسن بالقيادات الرياضية ورؤساء الأندية العمل على أخذه في الاعتبار، وإعطاء اللاعبين محاضرات ودروسًا في علم النفس والعلوم والصحة العامة والثقافة الاجتماعية قبل نزول اللاعبين إلى المستطيل الأخضر، عندها سوف نرى هذه السلوكيات وحتى ضعف الالتزام والأداء الرياضي وقد تبدل إلى انضباط في السلوك وفي اللعب كذلك.
أليس هذا مطبقًا في أندية عالمية، لماذا لا تقلدهم أنديتنا في هذه الإيجابية؟. أنظر إلى سرعة إقالة المدربين لدينا وعدد التعاقدات مع المدربين خلال الموسم الواحد وكذلك مع اللاعبين الأجانب، كل هذا نتاج قلة التخطيط أو انعدامه وقصر النظر الإداري واستعجال النتائج.
أعود للتذكير لأقول: أنظر إلى حال لاعبينا بعد تعرض فريقهم إلى الخسارة، انفلات الأعصاب والغضب وسوء التقدير والمشاجرات، لتدرك القصور الفادح في الإعداد النفسي وفي القيادة الرياضية وانعدام الدورات والتأهيل الثقافي للاعب.
وبالطبع ليس هذا تعميمًا، فهناك نماذج تجبرنا على احترامها قديمًا وحاليًا، نأمل أن يعلو صوتها وتكون هي الغالبة، طابت أوقاتكم.