عمر إبراهيم الرشيد
تمتلك جائزة الملك فيصل العالمية رصيداً متراكماً من الاحترام والمصداقية، منذ تأسيسها على أيدي أبناء الملك الراحل فيصل بن عبد العزيز - رحمه الله - عام 1977. بل إن عدداً من الفائزين بالجائزة فازوا بعد ذلك بجائزة نوبل في ميادين الجائزة العلمية تحديداً، مما يدل على دقة وصرامة معايير منح جائزة الفيصل، فأكسبها ذلك مزيداً من الحضور والاحترام الدوليين، إضافة بطبيعة الحال إلى مكانتها الوطنية لدى المجتمع السعودي.
واتكاءً على هذه المكانة وحرصاً على تعاظم سمعتها ومكانتها وطنياً ودولياً، فإنّ لي اقتراحاً في أمنية، آمل أن تجد صداها في أروقة مؤسسة الملك فيصل العريقة الحاضنة للجائزة. أتمنى على أمانة الجائزة النظر في إضافة جائزة باسم جائزة (الإنسانية) أو (الإنصاف) أو كما تراه الأمانة. وتمنح هذه الجائزة إلى شخصيات مؤثرة أبدت مواقف مؤيدة ومنصفة للحق سواء لقضايانا العربية والإسلامية أو حتى دولياً، وإن كانت قضايانا أولى وتنوء بحملها الجبال. والفوائد التي يمكن أن تجنيها الجائزة ومعها الوطن والسعوديون عظيمة، لعل أهمها زيادة الحضور والرصيد الدولي والإنساني للجائزة وما تمثله، وقوة ناعمة تضاف إلى قوة المملكة ورصيدها الإسلامي والسياسي والاقتصادي. ولتقف تلك الشخصيات ومعها العالم على حقيقة أن الإسلام دين الإنسانية والحضارة، تشرق شمسه على الناس أجمعين، وهو بريء مما يلصق به من التهم الباطلة سواء من قِبل أعداء الحق والحقيقة أو من بعض الجهلة والموتورين ممن ينتسبون إليه. وهذه الجائزة إضافة إلى جائزة خدمة الإسلام والتي تمنح إلى شخصيات إسلامية خدمت الإسلام وقضاياه وشعوبه بمشاريع فكرية وخدمية واجتماعية، إنما تختلف عنها كون هذه الجائزة المقترحة تمنح لشخصيات خارج نطاق العالم الإسلامي والعربي، لكنها تتخذ مواقف منصفة له كما قلت ولغيره في العالم عموماً.
وعلى سبيل المثال وحتى يتضح المقصد، هناك شخصيات فكرية وأدبية، وفنية وعامة لها شهرتها، أبدت مواقف منصفة تجاه الإسلام والعرب وقضاياهم. قبل أيام نعت ألمانيا كاتبها وروائيها الأشهر غونتر غراس، الذي كان له موقف أخلاقي منصف تجاه القضية الفلسطينية ومواجه لحكومة الاحتلال التي منعته على أثر هذا الموقف من دخولها كعادتها مع من يبدي مشاعره على أقل تقدير. قال غراس (إنه سئم من نفاق الغرب فيما يتعلق بإسرائيل وأن أهوال النازية ليست ذريعة للصمت). هذه المقولة وغيرها في كتاباته النثرية وقصائده الأخيرة أطلقت سعار الصهاينة فشنوا عليه حملة شعواء، وهذا هو حال من يرى نفسه دوماً في خطر مواجهة النهاية الحتمية والزوال بحكم أنها دولة احتلال لا دولة طبيعية. مثل هذا المفكر والروائي والفنان الحائز نوبل عام 1999م في الأدب وهو ما هو عليه من شهرة أدبية عالمية، كيف سيكون تكريم أمثاله من قِبل جائزة الملك فيصل، وما هو الأثر المعنوي بل والسياسي والحقوقي على قضايانا وهي قضايا عادلة، إنما نحن بحاجة إلى حسن إيصال أصواتنا إن صح التعبير واستغلال الفرص لدحر جهود من يستخدم قضايانا ضدنا.
حتى الشخصيات الفنية بما لها من الحضور والتأثير الدوليين في الجماهير عبر العالم وفي وسائل الإعلام والسينما، يمثل تكريم المنصف منها تشجيعاً للمتردد بدعم قضايانا، كما أنها دعم كذلك لتلك الشخصيات لمزيد من تحري الإنصاف وتقريباً لها من ثقافتنا وحضارتنا الإسلامية ومنجزاتنا مهما كانت. وظني أن بعض تلك الشخصيات قد تتهاون أو لا تبالي حين تتعرض لهجوم الدوائر الصهيونية والمحابية لها في الغرب أو الشرق تجاه قضايانا مستقبلاً، خصوصاً حين ترى تلك الشخصيات تراخينا ولا مبالاتنا تجاه مواقفهم المنصفة التي سارت عكس التيار في مجتمعاتهم.
عجبت لموقف الممثل الأمريكي بن أفلك وهو يحتدم ويتغير لون وجهه حين هاجم إعلاميي المسلمين واصفاً إياهم بالإرهابيين وإن دينهم دين عنف وإرهاب، فرد عليه بن أفلك بأن ذلك تعميم جاهل وغير مدرك لحقيقة الإسلام. أليس مثل هذا الممثل جديراً بالتقدير والتكريم على موقف ليس من السهل عليه اتخاذه وهو أحد وجوه هوليوود والمشهورين عالمياً، ومعروف تأثير مثل هذا الموقف المنصف على أجيال الشباب الأمريكي والغربي والعالمي بخصوص الإسلام العظيم وقضاياه وشعوبه. لهذا تجد الدوائر الصهيونية تتلقف مثل أولئك المشاهير لخدمة قضاياهم والدعاية لها، وتلك سياسة فطن لها الصهاينة منذ تأسيس كيانهم الغاصب وحتى الآن، بينما نتكئ نحن على أحقية قضايانا، وهي كذلك، إنما لا بد لنا من إيصال تلك الأحقية بوسائل عصرية وعملية، ومثل هذه الجائزة إحدى أنجحها إن لم تكن أنجحها على الإطلاق. أن مؤسسة الملك فيصل تتوفر على باحثين بارزين ومركز أبحاث عريق ومرافق راقية تجعل منها مرفقاً ثقافياً دولياً مرموقاً، زاده رقياً وسمعة يفخر بها الجميع هذه الجائزة الدولية العريقة، هذه المؤسسة جديرة بتبني كل ما يمكن أن يخدم الإسلام وقضايا المسلمين والعرب العادلة، ويضيف كذلك إلى قوة المملكة الناعمة ومكانتها، ويعكس صورة الحضارة الإسلامية الناصعة. ولا أدري حقيقة مقدار مكافأة الجائزة المالية هل هي أقل من نوبل أو أكثر، وعليه فليت أمانة الجائزة ترفع المكافأة لتكون أعلى من نوبل، وألا تكون مناصفة مالياً في حالة اشترك أكثر من فائز بالجائزة، فهذا الإجراء من شأنه إعلاء مكانة الجائزة دولياً وتشجيع الباحثين بشكل أكبر ولا أظن مؤسسة الفيصل إلا جديرة وحريصة أشد الحرص على ذلك. بحنكة وإدارة أبناء الفيصل رحمه الله، وأمانة الجائزة ممثلة في شخص الدكتور عبد الله العثيمين جاري الذي تشرفت بجواره في هذه الصحيفة الغراء.