د.عبدالله مناع
رغم السرعة - غير المتوقعة -.. التي عُقد بها (مؤتمر الرياض) لإنقاذ (اليمن) بين السابع عشر إلى التاسع عشر من شهر مايو الحالي.. إلا أن (المؤتمر) حقق نجاحاً سياسياً وطنياً كاسحاً بـ (حضوره) اليمني والخليجي، والعربي، والأممي وبـ «مبادئه» التي تمثلت في (الالتزام بالشرعية الدستورية،
وبإقامة الدولة المدنية الاتحادية، وبالشراكة والتوافق وفقاً لما جاء في ضمانات مخرجات الحوار الوطني، وبإعلان الرياض وبالقرار الدولي رقم 2216، وبالمساءلة والمحاسبة وعدم الإفلات من العقاب في جرائم الحرية والجرائم ضد الإنسانية)، وبـ «أهدافه» التي تمثلت في (المحافظة على أمن واستقرار اليمن، ورفض الانقلاب وما ترتب عليه، واستعادة الأسلحة والمعدات المنهوبة وتسليمها إلى الدولة، وإيقاف عدوان قوى التمرد حقناً للدماء والوصول باليمن إلى بر الأمان، واستئناف العملية السياسية وبناء الدولة الاتحادية وفقاً للمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني الشامل، وتجنيب اليمن أن يكون مقراً لجماعات العنف والتنظيمات الإرهابية ومرتعاً لها)، وبـ «قراراته» التسع التي تضمنها (إعلان الرياض)، والتي كان من أبرزها وأهمها: (الإسراع في دعوة الهيئة الوطنية للرقابة على مخرجات الحوار الوطني لمناقشة مسودة الدستور، وطرحها للنقاش العام والاستفتاء)، و(الشروع في إعداد وتوفير الشروط اللازمة لإجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية حرة ونزيهة على طريق بناء الدولة الاتحادية المدنية الحديثة وفقاً للدستور الجديد).. ولكن هذه «المبادئ» والأهداف والمقررات الوطنية والسياسية الرائعة، والخالصة من شبهة المذهبية والفئوية والجهوية.. ستجد نفسها عند تطبيقها على أرض الواقع أمام عقبة (تحالف) التمرد (الحوثي) مع الخيانة (الصالحية) اللذين بسطا نفوذهما على بعض المحافظات اليمنية، والمطارات والموانئ وكل الوزارات اليمنية.. بقوة السلاح، وتهديد المسؤولين وترويع المواطنين.. مع مغادرة الرئيس عبدربه وحكومته ووزرائه لـ (صنعاء) فـ (عدن) بعد قصف مقراتهم من الأرض والجو.. بهدف القضاء على (الشرعية)، التي كانت - ولا تزال - تزلزلهم والمتمثلة في شخص الرئيس المنتخب عبدربه منصور هادي وحكومته الوطنية الثانية بعد إقالة حكومة باسندوه، فـ (التحالف) الحوثي/ الصالحي.. أعلن عبر القنوات الفضائية الإيرانية الداعمة والمروجة له.. بأن (مؤتمر الرياض) و(إعلانه) لا يهمه في كثير أو قليل.. تماماً وكما سبق له أن أعلن في أعقاب إصدار مجلس الأمن قراره رقم 2216 بأنه لا يعنيه، ولا يهمه.. وهو ما يعني أن التحالف (الحوثي الصالحي) سيظل متمترساً في المواقع التي أصبحت في قبضته، ولن ينسحب منها، ولن يسلم ما لديه من سلاح وما نهبه من أموال إلى دولة غائبة أو غير موجودة، وليعشن يعش.. وليمت من يمت من اليمنيين الأبرياء، الذين لا ناقة لهم ولا جمل في «طموح» الحوثيين لـ (السلطة) أو «أحلام» الصالحيين في العودة إليها سواء برجوع (المخلوع)، أو بتنصيب ابنه (أحمد).. عبر انتخابات مزيفة يجري تسويقها إعلامياً باعتبارها تنفيذاً لمخرجات الحوار الوطني.. مع تجريد غارات التحالف من شرف نجدتها لـ (شرعية) الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي، وتجريمها بـ (تصويرها) للرعاع والبسطاء من اليمنيين بأنها حرب تآمرية انتقامية ضد أرض اليمن التي تضم (القاعدة) وتحتوي (أنصار الله).. وضد شعبه الأعزل محدود المال والإمكانات، الذي لا يملك غير كرامته وحريته وإبائه..!!
وهو ما يعني في النهاية أن (الأزمة) ستراوح في مكانها بعد المؤتمر وإعلان الرياض.. وكما كانت قبلهما!!
* * *
لقد ارتأت اللجنة التحضيرية اليمنية للمؤتمر - على ما يبدو - بأن لا تكافئ «المتمردين» الحوثيين و»الانقلابيين» الصالحيين (معاً).. بدعوتهم لحضور (المؤتمر) الذي دعا له الرئيس عبدربه.. وهو خطأ (تكتيكي)!!
فـ (المتمردون) الحوثيون.. هم (رأس الأفعى) في التآمر على اليمن وحاضره ومستقبله الذين بدؤوا تمردهم من صعده، وهم يزحفون إلى صنعاء.. رافعين رايات الوطنية، وهم يطالبون بعودة الدعم الحكومي للمشتقات النفطية، وبتغيير حكومة الوحدة الوطنية (الفاسدة) من وجهة نظرهم، وسرعة تطبيق مخرجات الحوار الوطني الشامل!! فالتف حولهم الأبرياء الذين خدعتهم تلك المطالب الوطنية البراقة.. إلى أن احتلوا شوارع وميادين العاصمة صنعاء بـ (اعتصاماتهم) ومظاهراتهم واعتداءاتهم، التي تطورت إلى اقتحامات للوزارات والمؤسسات والبنوك.. دون أن يحرك وزيرا الدفاع والداخلية ساكناً، وكأن ما يجري في (عاصمة الوطن) لا يعنيهما من قريب أو بعيد، إلى أن حمل المتمردون - الحوثيون.. الرئيس عبدربه على التوقيع معهم على وثيقة أو (خديعة) ما سمي بـ (اتفاق السلم والشراكة) برعاية وبراءة أو سذاجة مندوب الأمين العام للأمم المتحدة لمتابعة (المبادرة الخليجية) وإنفاذها: السفير جمال بن عمر.. التي تذكرني بـ (السذاجة السياسية) التي ظهر بها مندوب الأمم المتحدة الجديد لليمن إسماعيل ولد الشيخ أحمد.. عندما دعا في مؤتمر الرياض إلى حوار في (جنيف) يضم الأطياف اليمنية جميعها؟!
لقد تحرك بعدها الرئيس (المغبون) بتنحيته علي عبدالله صالح.. ليصف إلى جانب أعدائه (الحوثيين) الذين قاتلهم في ست حروب، فيخون - بذلك - ماضيه وتاريخه ومجده.. فقط ليرد الصاع صاعين لثوار عام 2011م في ميداني السبعين وجامعة صنعاء.. الذين طالبوا بـ(تنحيته)، وربما للخليجيين الذين أقروا تلك التنحية بـ (مبادرتهم)، التي قدمت (صالح) اليمن على صالح علاقتهم وصداقتهم لـ (علي عبدالله صالح).. فكان اصطفافه إلى جانب الحوثيين خيراً عليهم، ونكبة على (اليمن) واليمنيين ومشروعهم الاتحادي.. الذي أمضوا عامين في صياغته والتعب عليه. فقد أعطاهم - علي عبدالله صالح - بحرسه الجمهوري وولاء الجيش له: (الخنجر) الذي يقتلون به اليمن واليمنيين.. وحياتهم وأحلامهم في دولة اتحادية جديدة.. تتسع لليمنيين جميعاً!!
ولذلك.. كان يتوجب على اللجنة التحضيرية للمؤتمر أن تفرق - تكتيكياً - بين (رأس الأفعى) و(ذيلها)؟! بين عبدالملك الحوثي وجماعته، وعلي عبدالله صالح وجماعته.. بين استبعاد الأول وقبول الثاني - أو من يمثله - ولو أخذاً بقول شاعر العرب الأول المتنبي (ومن نكد الدنيا على الحر - أن يرى عدواً ما من صداقته بد) حتى يمكن نزع (السكين) من يد الحوثيين وجماعتهم، الذين قال عنهم الرئيس عبدربه في خطابه بأنهم لا يزيدون عن 10 بالمائة من مجموع سكان محافظة صعدة البالغ عددهم أربعمائة وستة وسبعين ألفاً!! فلولا علي عبدالله صالح وحرسه والألوية الموالية له وأمواله التي جمعها من الخليجيين طوال الاثنين والثلاثين عاماً من حكمه لليمن.. لما طال عمر الأزمة، ولانتهت بعد أسبوع أو أسبوعين من بدء عاصفة الحزم..!!
* * *
وإذا كان (المؤتمر).. قد أوضح في بيانه الختامي (السبيل) لمواجهة عنت المتمردين والانقلابيين على «الشرعية»، وإصرارهم على المضي فيه.. بـ (دعوته للأمم المتحدة ومجلس الجامعة العربية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية.. إلى تشكيل قوة عسكرية عربية مشتركة، لتأمين المدن الرئيسية والإشراف على تنفيذ قرارات مجلس الأمن، وضمان الانسحاب الكامل لقوى التمرد.. من كافة المدن وتسليم الأسلحة والمؤسسات)، فإن سلبيات هذه الدعوة تبدو كما لو أنها أكثر من إيجابياتها، فهي تعني.. إطالة أمد هذه (الأزمة) حتى يتوافق كل هؤلاء على قبولها، وهي تعني دخول هذا التشكيل - إذا تمت الموافقة عليه - في مواجهات عسكرية، وحرب برية.. يتحاشى الواعون - من الأطراف جميعها - اندلاعها، وهي تعني تكبير (الأزمة)، وتوسيع بؤرتها، ودخول أطراف أخرى فيها.. كان المرجو أن تبقى خارجها، وهي ستحمِّل اليمن واليمنيين ما لا يحتملوه.. وقد توصل في النهاية.. إلى تمزيق (اليمن) وليس إلى ضمان وحدته واستقراره وسلامة أراضيه..؟!
لقد كان يصح لـ (المؤتمر) أن يترك في بيانه الختامي.. مساحة للعمل الدبلوماسي غير المعلن؟! فما لا يتم حله علناً.. يتم حله سراً!! عبر التفاهمات والتنازلات وربما المقايضات..!! حتى يفوز الخليجيون العرب واليمنيون جميعاً بـ (يمنهم) العربي الواحد.. وكما كان.
اعتذار
أعتذر للقراء الأفاضل عن تأجيل الحلقة الثانية من مقال (القاهرة: ربيع كـ (شتاء).. مناخياً، وكـ (الصيف) سياسياً).. إلى الأسبوع القادم بإذن الله.