حمّاد السالمي
تابعت حلقة ( الثامنة مع داود الشريان ) في الأسبوع الفارط، الذي ظهر فيها التكفيري (خالد المولّد)، فما وجدت فيها ما يستدعي غضبة بعض المغردين من المعترضين على المذيع الناجح الأستاذ (داود الشريان)، لمجرد أنه أراد الكشف من جديد عما هو ليس مستوراً بالأساس
فالتكفيري (خالد المولد)، واحد من آلاف الناس الذين انحرفت بهم أفكارهم إلى معاطن تكفير الدولة والمجتمع والأعيان، وانجرفت بهم خطاهم التائهة إلى مهاوي التفجير والقتل والإرهاب، ومن قبله ظهر في برنامج (الثامنة هذا)؛ تكفيري آخر هو ( وليد السناني)، وقال هذا وذاك؛ ما يقول به شيوخه الذين درسوه وعلموه، وعكس حال زملائه وتلامذته، الذين وافقوه رأيه، ونفذوا على مدار عقد ونيف من الزمان؛ عشرات العمليات الإرهابية داخل المملكة، فقتلوا فيها الأبرياء، وخربوا ودمروا، ومنهم من هو قابع في سجنه مع هذا (المولّد) ومع (السناني).
لماذا لم تقم قائمتكم مع ظهور (السناني) من قبل.؟! ما الفرق بين (السناني) و (المولد)..؟!
ما الجديد في كلام (خالد المولّد) يا قوم..؟!
ماذا يضيركم إذا كنتم تنكرون مقالته، وترفضون فكرته..؟!
يُشكر المذيع اللامع ( داود الشريان )، وتُشكر قناته التي سعت إلى هذه المقاربة بين مجتمع اكتوى بنار الإرهاب، وتضرر على أيدي أدواته من المنفرين والتكفيريين والمفجرين عدة سنوات عجاف، وبين عقلية التكفير والإرهاب ذاته، فالتكفيري ( خالد المولد )؛ الذي يكفر الدولة والمجتمع وكافة المسلمين، ولا يرى في الوجود مسلماً إلا هو، هو واحد من تلامذة أولئك الذين شرّعوا لفكر التكفير منذ فترات طويلة، وعملوا جهدهم على غرس بذرته في صغار السن في مدارسهم، وفي حلقات التحفيظ، والمنابر الخطابية، والمخيمات الدعوية، ورحلات آخر الأسبوع، إلى أن ظهرت القاعدة، وظهرت داعش، وأصبح للتكفير فيالقه الجهادية، ودولته الخرافية، وصار التفجير والقتل والتصفيات الجسدية في كل أقطار العرب والمسلمين، نتيجة حتمية لفكرة التكفير، التي لا يستطيع أحد نفيها عن غير (خالد المولد)، وحصرها فيه وحده.
كنا نقبل القول من أصحاب الغضبة المضرية ضد (داود الشريان) وضد ثامنته؛ لو أنهم استنكروا ما قاله (المولد) في التكفير ودعوته قتل كل أحد حتى المذيع الذي يحاوره، فهو لا يخفي رغبته في قتله لو تمكن منه. ولكن ما أثار أصحاب الغضبة وزلزل كياناتهم؛ هو ظهور المكفِّر علناً، لا الفكرة التي يحملها ويدعو لها..! إنه مهما اختلفنا مع داود الشريان في أهداف اختياره للضيف وطريقة الحوار معه، نبقى متفقين على أهمية معرفة ما يدور في رؤوس آلاف المكفراتية الذين يقبعون في السجون، وكذلك أولئك الذين يعيشون بيننا، والبعض منهم تكفيري بامتياز، ولكنه يلمح ولا يصرح، ويقضي حياته في مخاتلة ظلامية مع دولته ومجتمعه.
إن تكفير الحكام والدول والمجتمعات والعلماء والأعيان، فكرة ليست جديدة في تاريخنا العربي والإسلامي، فهي وإن استشرت أكثر في زمننا هذا، فكرة جنونية بحق، فمن أجلها وبسببها؛ يقتتل أبناء البلد الواحد، ويحترب أبناء الدين الواحد، بل والطائفة الواحدة، وتسيل الدماء ليل نهار في العراق وفي سورية وليبيا واليمن، وتتكرر مشاهد الخراب والدمار والبؤس على مرأى ومسمع من أولئك الذين يرفضون الكلام علناً عن هذه الفكرة الجهنمية، وفي سكوت من تسبب في زرعها وبثها في ذهنية المولد ومن هم على شاكلته، ويواصل التيار التكفيري نفسه، تصعيده الانتهازي للتكريه الطائفي بين المسلمين سنة وشيعة، وبين السنة أنفسهم، فلا مسلم في فهمهم السقيم؛ إلا من كفّر خلق الله، واستباح دماءهم، وانتهك أعراضهم، وسلب أموالهم، ولا جنة ولا حور عين، إلا لشيوخ التكفير، ورموز التكريه، من مثير الفتن، ودعاة الجهاد المزيف.
مَنْ يقتل مَنْ في العراق..؟ وفي سورية..؟ وفي ليبيا..؟ وفي اليمن..؟ وفي غيرها من بلدان العرب والمسلمين..؟ العربي يقتل العربي، والشيعي يقتل السني، والسني يقتل الشيعي ويقتل السني، والأخ يقتل أخاه، والأسر تتشتت، والأمهات تترمل، والأطفال يتيمون، والضعفاء يموتون قهراً وجوعاً.
في العام 1965م، ألقى الشاعر العراقي أحمد الوائلي قصيدة طويلة في (مهرجان الشعر العربي)، قوبلت بتصفيق حاد، وأعاد قراءتها عدة مرات بناءً على طلب الحضور. نأخذ منها هذه الصورة (البارونامية) العجيبة، التي تختزل المشكل الذي كنا نعاني منه بالأمس، وما زلنا نعاني منه حتى يومنا هذا:
دخلت حماي وفي الرءوس مخطَّطٌ
وأعيذ قومي من لظاه مروِّعُ
وهي التي إن أنشبت أظفارها
في غفلة.. فأنا وأنت المصرع
عُدنا تصنِّفنا يدٌ مسمومة
متسنِّنٌ هذا.. وذا مُتشيِّع
يا قاصدي قتل الأخوة غيلة
لمّوا الشباك.. فطيرنا لا يُخدع
غَرَس الإخاء نبيُّنا وكتابُنا
فامتدّ واشتبكت عليه الأذرع
مما يؤثر عن الزعيم النازي (أدولف هتلر) قوله: (لا أهتم بشأن العرب، لأنه سيأتي يوم يقتلون فيه بعضهم)..!
هل فعلاً جاء هذا اليوم المشؤوم؛ يا عرب التنفير والتكفير والتفجير..؟!