حمّاد السالمي
« بعد حوالي شهر من انطلاقها؛ حققت (عاصفة الحزم) أهدافها الأولى من القضاء على الآلة الحربية المدمرة، والصواريخ (البالستية) التي كانت في حوزة الحوثيين ومليشيات المخلوع علي عبد الله صالح، كما مهدت الطريق لمرحلة قادمة من (صناعة الأمل)؛
على أيدي عقلاء اليمن والغيورين عليه من جواره العربي في المملكة العربية السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي، الذين أفصحوا عن عزمهم مواصلة الدعم للعملية السياسية أولاً، والمساهمة بشكل فاعل في (مارشال عربي) تنموي وإعادة إعمار تشمل اليمن بكامله، إلى جانب استيعاب الدولة اليمنية المستقرة الآمنة العربية؛ البعيدة عن أي استقطاب غريب على عروبتها وبيئتها في منظومة مجلس التعاون الخليجي، التي هي الرمز العربي الوحيد الباقي من تجارب الوحدة العربية، التي لم تنجح بين العرب إلا بين دول الخليج العربية الست.
« دفع اليمن تضحيات كبيرة من تاريخه ودماء أبنائه، وتحمل خسائر جسيمة جراء التدخلات الإيرانية العدوانية على أرضه وثقافته ومصيره، وحان الوقت الذي يعود الجميع فيه؛ في هذا الجزء المهم من جزيرتنا العربية العريقة، إلى وعيه ورشده، وأن يعرف أن مصيره هو من مصير العرب لا الفرس، وأن يتعظ مما جرى ويجري على الأراضي العراقية والسورية واللبنانية، نتيجة الوجود الصفوي المتسلط والمخرب في آن واحد.
« إن (عاصفة الحزم)؛ لم تكن عملية عسكرية بحتة، وإنما هي صرخة مدوية في ضمير الأمة العربية، التي فقدت بوصلتها، وتاهت في خضم حوادث القتل المتبادل، والتدمير الممنهج لبناها الإدارية والأمنية والمكانية والاجتماعية، وحتى الثقافية، لصالح قوى تريد هذا المصير الأسود، وتدعم سقوط كافة الدول القطرية في كل بلد عربي، وتقطف ثمار هذا الدمار بأيدي العرب أنفسهم.
« جاءت (عاصفة الحزم)؛ الذي أطلقها (خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز) رعاه الله، في وقت حرج وعصيب، لتعلن أن للعرب كرامة وشهامة ونخوة، وأن الأخطار مهما عظمت وأحدقت بأوطاننا العربية، فإن غيرة العربي على دينه وأرضه وعرضه وتاريخه، لا بد أن تنتفض في الوقت المناسب، للثأر من عدو مشترك، وردع البغي وأهله، وأنها سوف تستقطب إليها كل العرب في وجه كافة المخاطر.
« كأن (عاصفة الحزم)؛ هي المحرضة والممهدة لبعث (القوة العربية المشتركة)، تلك القوة التي ولدت قبل (65 عاماً)؛ نتيجة معاهدة الدفاع العربي المشترك (1950م)، بهدف التصدي لأي عدوان خارجي على الدول العربية الموقعة على المعاهدة. قوة لم تر النور وقت ذاك؛ بسبب تضارب مصالح الدول العربية واختلافها على مستجدات طرأت فيما بعد، وكان عدو العرب المشترك المحرض أوان ذاك على إنشاء تلك القوة؛ هو العدو الصهيوني، الذي يحتل الأرض الفلسطينية، أما اليوم، فإن العرب وجهاً لوجه أمام عدوين اثنين لا عدواً واحداً مع الأسف. أمام (إسرائيل) التي تحتل فلسطين، وأمام (إيران الصفوية)؛ التي تحتل- كما تقول- أربع عواصم عربية هي: (بغداد ودمشق وبيروت وصنعاء)، وهذا كلام قيادات إيرانية عليا، لم يرد عليه قيادي واحد من هذه البلدان العربية..!
« يلتقي العرب مرة أخرى بعد (عاصفة الحزم)؛ في وضع صيغة جديدة لـ(قوة عربية مشتركة)، تبدأ بـ(المملكة العربية السعودية، ومصر، والإمارات، والكويت، والأردن)؛ على أن تلحق بعد ذلك بقية الدول العربية، ويشكلون قيادة عليا لقوات برية وجوية، بهدف حماية الدول الأعضاء داخلياً وخارجياً ضد أي عدوان أو تحديات من أي نوع، وتهتم هذه القوة بحماية الأمن القومي العربي ضد كافة الاستهدافات الخارجية والعمليات الإرهابية.
« هذا ما تمخض عنه اجتماع رؤساء أركان الجيوش العربية الذين اجتمعوا بالقاهرة الأربعاء قبل الفارط، ودعوا فريقاً عالي المستوى لدراسة إجراءات وآليات العمل والموازنة لقيام (القوة العربية المشتركة)، استناداً إلى مقررات قمة شرم الشيخ قبل أكثر من شهر.
« لو لم يكن من فضل لـ(عاصفة الحزم)؛ إلا أنها حركت الوجدان العربي، وجمعت شتاته المبعثر؛ أمام انتماءات وولاءات وعمالات كثيرة، وبعثت كيان (القوة العربية المشتركة).. لو لم يكن لها إلا هذا الفضل لكفاها، والتاريخ العربي لن ينس (ما قبل) عاصفة الحزم، و(ما بعد) عاصفة الحزم، لأن (عاصفة الحزم)؛ شكلت لحظة تاريخية فارقة في تاريخ العرب الحديث، وعبّرت عن قدرتهم على العمل العربي المشترك، وأنهم يملكون (العزم)، ولهم قدرتهم على (الحزم)، الذي يحقق لهم (الحسم) في نهاية المطاف.