حمّاد السالمي
هل يكفينا أن نُعد العرس بالدرس، وأن نعد بها شعباً طيب الأعراق..؟ كما قال لنا شاعرنا ذات عرس عربي:
الأم مدرسة إذا أعددتها
أعددت شعباً طيب الأعراق
بعد أن أصبح تعليم الفتاة واقعاً راسخاً في المجتمع، متخطياً كافة العقبات التي وقفت في طريقه، أصبح كثير من نصفنا الآخر يعمل ويكد ويكدح ويزاحم بمناكبه الرجال في ميادين البناء والتطوير، ولكن ليس كل نسائنا وهن البنات والأخوات والأمهات والزوجات متعلمات، أو متعلمات وحصلن على فرص عمل جيدة، تحفظ لهن كرامتهن وتعينهن على أعباء الحياة.
هناك كثيرات آثرن البقاء في دورهن مربيات فاضلات لأولاد وبنات، وهناك من دفعتهن الحاجة إلى البحث عن عمل شريف حارسات أو كاشيرات أو بائعات في الزنقات والطرقات بالأسواق العامة، وما يأتيهن من رزق بسيط هو هدفهن في العيش والصرف على أم وأب، أو زوج وأبناء لا مصدر رزق لهم إلا هذا، ومع كل هذه الظروف الصعبة التي تدفع كبيرات السن للخروج وافتراش الأرصفة والأتربة في الأسواق العامة؛ لعرض بضائع متواضعة بأثمان زهيدة، نجد من يرى في هذا المنظر لعدد من السيدات في سوق عام، تشويهاً بصرياً يوجب إزالته..! أو مخالفات بلدية واجتماعية يجب وقفها..! وحادث اللطم الذي تعرضت له سيدة في سوق في جدة على مرأى ومسمع من الناس ليس بالبعيد..! وكم من مرة شاهدنا إهانات توجه لسيدات في سوق يفترض أنه ( سوق حريم ) مخصص من قبل البلديات لهذا الغرض، لكن بعض ممن به مرض؛ يأبى إلا مضايقتهن في رزقهن بدون أي سبب..!
إن عمل المرأة في المجال الذي يتناسب مع عفافها وحشمتها وقدرتها على أدائه، هو مطلب مهم في حياتها، وحق مشروع من حقوقها، لا ينكره أحد، ولا يجحده إلا مكابر مصادم لواقع الحياة ومتطلبات العصر، ذلك أن عمل المرأة لا يعني فقط وظيفة تمارسها، ومخصصاً مالياً تحصل عليه آخر كل شهر ، ولكنه إثبات وجود، وتحقيق ذات، ومساهمة إنسانية ووطنية.
مثل هؤلاء النسوة؛ لا يحصلن على الكثير من الدخل للمعيشة، ومثلهن يعانين ولا شك في تدبير شئون حياتهن، وهن أحوج فئات المجتمع للدعم والمساعدة، خاصة إذا كن يربين أبناء وبنات، ويعلن آباء وأمهات وأيتاماً. لقد ظهر في وسائل التواصل قبل عدة أيام جملة أفكار حول هذا الموضوع الحيوي، وأذكر أني كتبت قبل ذلك في صحيفة الجزيرة مقالاً بعنوان: ( وظيفة مديرة منزل )، بتاريخ 3 مارس 2013م (http://www.al-jazirah.com/2013/20130303/ar3.htm ).
في الجانب الآخر؛ فإن الموظفة في قطاع التعليم؛ وهي التي تحصل على دخل جيد نوعاً ما، لكنها تصرف جُلّ مخصصها للخادمة والسائق والسيارة ومستلزمات العمل، ولكنها تخسر شيئاً أهم وهو تربيتها لأبنائها بالشكل الصحيح، وإدارتها لبيتها بالشكل المطلوب.
لو دخلنا في الحسابات المالية البحتة، وكم تخسر هذه وتكسب تلك، لغرقنا في التصورات. الذي تخسره الموظفة، وتخسره أسرتها، ويخسره المجتمع؛ أكبر بكثير من حساباتنا المالية، فالأم التي توكل تربية أطفالها لخادمة وهي مجبرة على ذلك، تخسر بكل تأكيد، ويخسر مجتمعها، ومئات ألوف السائقين الذين يجوبون الشوارع ويدخلون الدور، يشكلون أكبر خسارة مالية وغير مالية، ولو أردنا قياس مستويات الخسائر التي تحيق بنا من كل جانب في هذا المضمار، لهالنا أمرنا.
إن وزارة العمل، تعمل بكل تأكيد؛ على تقليص عدد العمالة في البلد، وبخاصة العمالة المنزلية والسائقون، ولكنها لم تتنبه إلى أنه كلما خرجت فتاة أو سيدة للعمل في مكان عام أو خاص، فهي تحتاج إلى خادمة منزلية وسائق أجنبي، ومسألة التشديد في إجراءات الاستقدام، ليست في مصلحة أحد البتة. هنا يأتي التناقض الذي لا بد أن يوضع له حد بين وزارة العمل والمجتمع بكافة شرائحه.
ماذا لو أن وزارة العمل، ووزارة الخدمة المدنية، أو مجلس الشورى.. الجميع تبنى فكرة وظيفة للمرأة غير العاملة في دارها، بشروط تحد من استقدام العاملات المنزليات والسائقين، وتفضل المتزوجات على غير المتزوجات، وتوفر حياة كريمة للمرأة وسط أسرتها، سواء كانت متعلمة أو غير متعلمة، وأن يُخصص لها مرتب شهري لا يقل عن ألفي ريال؛ مقابل هذه الوظيفة العظيمة، وخمسمائة ريال؛ مقابل رعاية وتربية كل طفل في الأسرة، حتى سن الثامنة عشرة من عمره.
ما رأيكم في هذا الاقتراح يا وزارة العمل، ويا وزارة الخدمة المدنية، ويا مجلس الشورى، ويا أيها المجتمع؛ رجالاً ونساءً..؟
أعرف أن الكثير من الأسر يفضل رعاية وعناية الزوجة بدارها وأطفالها على وظيفتها وعملها، وحتى الكثير من النساء العاملات في وظائف عامة أو خاصة، هن مكرهات تحت ضغط الحاجة المالية، لمواجهة متطلبات الحياة، ولو توفر لهن ما يكفي حاجتهن، لبقين يمارسن دورهن الطبيعي في الرعاية والخدمة المنزلية المشرفة، واستغنين عن الخادمات والسائقين.. ولكن..!
لا أظن أن دولتنا تبخل على بناتها ونسائها بما يكفل لهن الكرامة والصون والعفة، وتوفير الحياة الكريمة التي تسهم في تربية نشء صالح قادر على استيعاب مستجدات العصر، مع الحفاظ على دينه وقيمه ومبادئه وأخلاقه التي تربى عليها آباؤه وأجداده، والخطورة تأتي من هذا الانفصام الخطير الذي نعيشه اليوم بين الآباء والأبناء، وظهور جيل مطبوع بصبغة الخادمات والسائقين، الذين أصبحوا جزءاً لا يتجزأ من الأسرة الواحدة.
إن هناك فوائد كثيرة وعظيمة نجنيها كمجتمع، من وراء هذه الفكرة لو طُبقت، من بينها: تقليص استقدام الخادمات، والحد من استقدام السائقين، والتشجيع على الزواج والاستقرار الأسري. والفائدة الأعظم والأكبر، هي التربية الدينية والوطنية الصالحة، التي نتمناها لأطفالنا، الذين هم جيل المستقبل وعماده.
لماذا لا نوجد هذه الوظيفة على غرار حافز مثلاً.. (وظيفة مديرة منزل)، لمن ترغب من نسائنا؛ متعلمة أو غير متعلمة، مقابل دار بلا خادمة ولا سائق..؟
فكروا في هذا الأمر يا أيها الناس.. يا أيها الآباء، ويا أيها الأمهات.. يا أيها المسئولون في صناعة القرار في دولتنا الفتية.