فهد الصالح
تقع على عاتق اللاعب الرياضي مسؤولية كبيرة قد لا يمنحها البعض منهم الاهتمام الذي تستحقه أو لا يرونها مثلما يراها الناس، وهي الاقتداء به وجعله مثلاً أعلى للنشء الجديد، وعلى ذلك يتابع منذ الطفولة أخبار اللاعب القدوة ومواقع التواصل الاجتماعي الخاصة به والصفحات الرياضية ومواقعها الإلكترونية، وكل ذلك من أجله مع الاحتفاظ بكل ما يخصه وشراء فنيلة النادي الذي ينتمي له والموسومة باسمه في الخلف، ويخترق بها حتى صفوف المصلين ويتباهى بها، ويجعل من لا يعرف هذا اللاعب أن يعرفه ويقرأ اسمه حتى في خشوعه، وربما يكون لذلك أثر عكسي سنأتي عليه لاحقاً , هذا بالإضافة الى التأثر بكل ما يكتب عنه او ينتقد فيه , كما أنه يسعى الى ان يجده ليأخذ معه صورة يشعر معها إنها أعظم لوحة تكريمية حصل عليها او يحصل منه على ابتسامة او حديث عابر أو توقيع على كورة أو لباس له , ويظل يستذكر تلك اللحظة في شبابه , وتبقى حتى بعد ان يتجاوز من العمر أكثره وهو يحتفظ بها في أرشيفه وشريط ذكرياته.
هذا كله يجعل من اللاعب صاحب رسالة سامية ومؤثرة في الشباب , ويعمل من أجل أن يكون له بصمة إيجابيه فيهم، فيسطر لهم أجمل سلوك , وأعذب عبارة , وألطف تعامل , وأبهى صورة في مظهره الخارجي , وملبسه , وحتى في ترتيب شعره , وأكله , وشربه , ومحافظته على صحته , وعدم السهر, ويبرز لهم أسلوب حياته بمثل ما علمنا به الشرع الحنيف , ويركز في أحاديثه على بره لوالديه وحسن تعامله , وكيف هي علاقته بإخوانه وأقاربه وأصدقائه وزملائه اللاعبين والإداريين وحتى جماهيره والمعجبين به , والعلاقة المثالية له بجيرانه , وقبل ذلك كله مثالية علاقته بربه وخالقه , ومحافظته على الصلاة في أوقاتها، والكثير من الأمور الإيجابية التي ستصنع من الشاب المقتدي به رجل إيجابياً ورمزاً تربوياً معيناً لأسرته في تربيته , وسيخلق داخل الأسرة محبة له وإعجاباً به , ويعكس للرياضة جانباً سلوكياً رائعاً تحتاجه الأسر أكثر مما تحتاج نشاطه في بطولة محلية أو قارية أو دوليه فتلك فرحة مؤقتة وهذا سلوك مجتمعي دائم .
وللقارئ الكريم أن يتخيل هذا النموذج المثالي للاعبين وكيف سيصلح بهم حال جزء كبير من الشباب المهتم بهم , ثم هل سيمتعض الأب من اقتداء ابنه من لاعب فيما لو وجد هذا السلوك والخلق الكريم , وهل سيفكر الأب في تعزيز اهتمام ابنه بالرياضة الدولية واللاعبين الأجانب إذا وثق من الحس التربوي الذي يحمله اللاعب الوطني ويؤثر به تأثيراً مباشراً على النشء وبصورة قد يعجز الأب عن علاجها فيما لو كان الاقتداء بسلوك سلبي أخذه من لاعبه المفضل , وهل سنرى سلوكيات لا تعجبنا من لاعبينا فيما لو استشعروا هذا الأمر وتأثيرهم المباشر على الأسرة وترابطها وسلوكيات أبنائها , وهل ستبقى النظرة لرياضتنا بنفس الصورة التي يراها عليه أغلب الآباء وكل المربين ورسل العملية التربوية الرسمية والخيرية , وهل عند هذا الحال المأمول سيبقى الحس الوطني بأهمية الشباب في المستقبل مثلما النظرة الآن , وحتماً سنقتنع بالرياضة كمهنة شريفة ومصدر عيش كريم اذا كان اللاعب بهذا الخلق الكريم والمثالية السلوكية الفاضلة.
إننا في هذا الطرح نسعى إلى المثالية وإن لم نجدها ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله , ونتطلع إلى أن يكون لدى لاعبينا رقيب داخلي يمنعهم من السلوك المشين ولا أقول كلهم ولا أعمم النظرة السلبية، لأن في بعضهم خيراً كثيراً ولعلهم الأغلب، بل إن فيهم الآن دعاة ومصلحين وأصحاب مسؤولية اجتماعية رائدة والشواهد كثيرة بفضل الله , كما نتطلع إلى أن يقوى الخوف من الله في نفس اللاعب ليمنعه مما لا يحبه سبحانه وتعالى، مع تعزيز الاهتمام بالأعراف والعادات والتقاليد الحسنة في مجتمعنا الذي هم جزء لا يتجزأ منه والخروج عنها وإن لم يكن حرام فهو غير مستحب , فالتقليد الأعمى يضر باللاعب وبمن يشجعه , والجميع على ثقة من قدرة اللاعبين على ترك بصمة ايجابية في المجتمع يذكرون بها أثناء مشوارهم الرياضي او بعد الاعتزال خاصة وأن عمر اللاعب أصبح مؤخراً أقصر من الوقت السابق فهو مطالب بأن يبقي أثراً طيباً يذكر به , وهناك نماذج مضيئة في مسيرتنا الرياضية الحالية والماضية ولا تزال سيرتهم تعطر المسامع .
ختاماً ... هذا مجال يحتاج تعزيزاً تربوياً من عدة جهات وتحديداً على وزارة التعليم ورعاية الشباب دور كبير، وقد استبشرنا باللقاء الأخير بين وزير التعليم والرئيس العام ونتطلع أن يخرج لنا من هذا قريباً استراتيجية تربوية رياضية تعليمية نقدم بها للشباب والرياضة ما يخلد للجهتين بمداد من نور، فالتربية مثلما قدمت على التعليم، فإنها مقدمة على الرياضة ولابد من صنع المستحيل لتكون الرياضة مصدر أمان مجتمعي ومحضناً للسلوك القويم والخلق السامي , ونثق أن أول من يحقق هذا التطلع هو اللاعب نفسه، لأنه إما أن يصبح عامل جذب للرياضة بسلوكه وتعامله أو يصبح عامل طرد لها أيضاً بسلوكه وتعامله فالمجتمع حلقة مترابطة يتأثر، ويؤثر خاصة وأن جهات التأثير قد تعددت بعد دخول وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة، وأصبح العالم كله بين أيدي شبابنا، ولذا فإن وجود المختصين في التربية الإعلامية ضرورة في إعداد تلك الاستراتيجية ليخرج لنا منتجا يمكن تطبيقه وليس حفظه في الأرشيف كحال العشرات من الاستراتيجيات التربوية .