فهد بن جليد
يقول شاعر القريات:
لا بارك الله في حلال البخيلين
لا صار مابه للضعيفين عيشه!
وفي الحديث القدسي المتفق على صحته (أنفق يا ابن آدم يُنفَق عليك)، ومن أقوال ابن معاذ الواعظ (مصيبتان للعبد في ماله عند موته، قيل ما هما؟ قال: يُؤخذ منه كله، ويُسأل عنه كله)، وهي حقيقة واقعة؛ فالإنسان لا يأخذ معه من ماله شيئاً في هذه الدنيا، بينما هو محاسب عليه!
عند إشارة المرور (متسوّلة) تحمل طفلاً رضيعاً، تأتي من يسار الشارع لتقصد السيارة (الفارهة) التي تقف أمامي، ورغم أن الزجاج (مُظلّل) ولا يمكن مشاهدة من بداخل السيارة، إلا أنها تُصر على الوقوف في انتظار مُساعدة، على اليمين سيارة (متواضعة) لمح صاحبها المرأة، وأخرج مبلغاً ووضعه في يده اليسرى، بعد أن فتح النافذة في انتظار أن تصل إليه (المتسوّلة)، ولكنها ما زالت تقف في انتظار كرم من بالسيارة، دون أن تشعر بأن صاحب السيارة الأخرى يريد تقديم المساعدة!
انتهى المشهد على صوت (أبواق) تُطالب بالتحرّك، لأن الإشارة أصبحت خضراء، تحرك الرجل ومساعدته بيده، والمرأة لم تحصل على شيء!
بالتأكيد لست مع إعطاء المتسوّلين عند الإشارات، ولكن بعض المشاهد مؤلمة، فيها من العبر الكثير!
الجاحظ خصَّ البخل بالأغنياء لا بالفقراء، وكتب عن بخل أصحاب الأراضي المثمرة، لا أصحاب الصحاري القافرة، ومع تغيّر السنين وتعاقب العصور، ما زال البخل هو البخل عند العرب، فهم بين كريم يُكرم نفسه وأهله، وبين بخيل يُغدق على نفسه ويبخل على مَن حوله، وبين شحيح حرم نفسه وحرم مَن حوله!
بخل المال، ربما قاد لبخل المشاعر أيضاً؟!
رغم أن المشاعر، وحسن المعشر، لا علاقة لهما بالغنى والفقر، أو بالمكانة الاجتماعية!
يُروى أن جحا ورفاقه ذهبوا في نزهة، وسقط قاضٍ معهم في البركة، فقالوا له هات يدك.. هات يدك، فلم يمدها لهم، فصاح بهم جحا ما هكذا تنقذون الشيخ!
وتقدَّم منه جحا وقال له: خذ يدي، فأمسك بها القاضي ونجا من الغرق!
الحياة لن تستقيم، إلا بالأخذ والعطاء.
وعلى دروب الخير نلتقي.