فضل بن سعد البوعينين
لكل منطقة ومحافظة ومدينة من مدننا؛ عراقة تاريخية وأثرية؛ وبعدًا ثقافيًا؛ وطابعًا معماريًا خاصًا تتمازج فيه الألوان وتصاميم البناء. حرصت «الهيئة العامة للسياحة والآثار» على توثيق التراث؛ وحماية الآثار وترميم المباني ذات البعد التاريخي؛ الشاهدة على مراحل مهمه من حياة شعوب المنطقة؛ وتاريخ المملكة. لم تدخر «الهيئة» جهدًا في تطوير المواقع التابعة لها والمحافظة عليها؛ وتحويلها إلى مزارات جاذبة للزائرين؛ واستثمار السياحة لتنشيط الحركة الاقتصادية في المناطق الحاضنة. وفي المقابل؛ تعاني بعض المواقع التاريخية المملوكة للمواطنين من إهمال متعمد تسبب في تشويهها؛ وتدمير بيئتها الحاضنة.
محافظة الطائف من محافظاتنا الجميلة والغنية بإرثها الثقافي والتاريخي. حباها الله بالمناخ الجميل والتضاريس الشامخة؛ والموقع المتميز القريب من مكة المكرمة؛ حيث تلتقي فيها الطرق الرئيسة القادمة من الجنوب والشمال والشرق والغرب. حظيت بلقب «مصيف المملكة الأول» بعد أن أصبحت مقرًا صيفيًا للحكومة في عهد الملك عبدالعزيز؛ وأبنائه الملوك؛ سعود؛ فيصل؛ وخالد؛ -رحمهم الله- جميعًا.
القصور التاريخية أحد أهم مقومات السياحة في الطائف. وبرغم أهميتها ما زال بعضها يشتكي الإهمال. لم يُكتف باستقطاع أراضيها المجاورة؛ وتدمير حدائقها الغناء التي كانت جزءًا أصيلاً من بيئتها الشاملة؛ بل أمعن المهملون في إهمالها حتى بات بعضها ملجأ للعمالة الوافدة!.
تحولت بعض القصور التاريخية إلى أطلال مهجورة؛ يطوف بها السائحون فيبكونها حُرقة وألمًا؟!. يبدو أننا لم نصل بعد إلى التشريع القادر على توفير الحماية للمواقع التاريخية؛ أو نقل ملكيتها بطريقة آلية للجهة القادرة على صيانتها وحمايتها من الإهمال والتعديات. قد يقبل بقاء القصور والمواقع التاريخية في عهدة مُلاكها طالما كانوا قادرين على حمايتها وصيانتها والمحافظة على قيمتها التاريخية؛ أما في حال إهمالها؛ فهيئة السياحة أولى بها؛ بعد التعويض. ملكية الحكومة لقصر شبرا التاريخي أسهم في المحافظة عليه؛ والمحافظة على مكوناته؛ وجعله مزارًا سياحيًا متميزًا.
التركيز على القصور التاريخية لا يعني تجاهل البيئة الحاضنة لها؛ فهي جزء مهم من منظومتها العمرانية؛ لذا أعتقد أن قصر شبرا؛ وبرغم احتفاظه بمكوناته الرئيسة؛ يبقى فاقدًا جزءًا مهمًا من بيئته المحيطة التي تحولت إلى شوارع متداخلة؛ ومتاجرعشوائية؛ ومطاعم شعبية؛ نَزَعَت؛ من المنطقة المحيطة بالقصر؛ جمالها الأثري.
مسؤولو الهيئة العامة للسياحة والآثار؛ والمرشدون السياحيون مطالبون؛ بحكم المرجعية والتخصص؛ بإبراز القصور التاريخية وتضمينها زيارات الوفود؛ وخرائط المواقع الأثرية؛ كجزء أصيل من تاريخ المنطقة الذي لا يمكن إغفاله؛ إلا أن المرور بها قد لا يحقق الهدف المنشود؛ بل ربما تسبب بالألم للمرشدين السياحيين الأكثر حرقة على القصور التاريخية؛ وأسهم في عزوف السائحين عنها بسبب وضعيتها المُنَفِّرة؛ وبيئتها الطاردة.
ملكية القصور التاريخية الخاصة؛ تحول دون تدخل هيئة السياحة لحماية المواقع التي يفترض أن تكون خاضعة لها بحكم التخصص؛ غير أن مجلس منطقة مكة المكرمة؛ والمجلسين المحلي والبلدي لمحافظة الطائف؛ إضافة إلى الأمانة قادرون على التدخل السريع لحماية المواقع التاريخية وحمل أصحابها على الإعتناء بها أو نزع ملكيتها لمصلحة الهيئة العامة للسياحة والآثار.
الأمر لا يتوقف عند القصور التاريخية بل جميع المواقع الأثرية التي تتداخل فيها الملكيات؛ وتتنازعها الجهات الحكومية؛ فتتحول مع مرور الوقت إلى أطلال مهملة. أجزم بأن محافظة الطائف وأمانتها؛ ومجلسيها مسؤولون مسؤولية تامة عن حماية المواقع الأثرية وفي مقدمها القصور التاريخية؛ وتطويرها لتكون أدوات جذب سياحي تسهم في تنشيط الحركة السياحية؛ والاقتصادية وتساعد على تنمية المواقع التاريخية والارتقاء بالبيئة الحاضنة لها.
أحياء «سوق عكاظ»؛ وتحويله إلى تظاهرة ثقافية اقتصادية تنموية شاملة؛ لا يقل أهمية عن إحياء «القصور التاريخية» التي باتت تشتكي العقوق والإهمال.