فضل بن سعد البوعينين
برغم ضعف الموارد الطبيعية؛ نجحت كوريا الجنوبية في حفر اسمها على خارطة الدول الصناعية المتقدمة. اعتمدت التعليم قاعدة لتحقيق التنمية المستدامة؛ وأجتهدت في وضع معايير علمية حصيفة قادرة على إكساب الطلاب والطالبات العلوم والمهارات وتعزيز القدرات الأساسية وغرس القيم؛ إضافة إلى اهتمامها بعمليات التطوير المستمر.
بعد نجاحها في قطاعات الإنتاج التقليدية التي أسهمت في بناء اقتصادها المتين؛ تحولت كوريا الجنوبية نحو الاقتصاد المعرفي مستفيدة من نظامها التعليمي المتطور الذي أسهم في تحفيز الطلاب والطالبات على البحث، الابتكار، الإبداع والتطوير؛ والتحول نحو التقنيات الحديثة التي أصبحت تتحكم في اقتصاديات العالم. التخطيط العلمي الإستراتيجي لمنظومة التعليم قادر على تحقيق أهداف التنمية المستدامة؛ ودعم الاقتصاد الوطني.
أصبحت المعرفة جزءًا رئيسا من العملية الإنتاجية الحديثة؛ وأدوات التقدم التقني والتكنلوجي؛ والتطوير النوعي لجميع مناشط الحياة. أزعم أن الهيئة الملكية بالجبيل بدأت خطواتها الواثقة في طريق الاقتصاد المعرفي بعد أن نجحت في بناء قاعدة إنتاجية متنوعة ودعمتها بالكليات والمعاهد العلمية المتخصصة؛ ومراكز التدريب التقني وهيأت في الوقت نفسه مراكز البحث والمختبرات النوعية؛ وبيئة البحث المتكاملة وربطتها بالجامعات العالمية التي دخلت معها في شراكات علمية تضمن كفاءة المخرجات؛ وتوافقها مع المعايير العالمية.
العلاقة الوثيقة بين التنمية الاقتصادية والتغير في مجالات التكنولوجيا و الابتكار، دعمت الشراكة العلمية بين الهيئة الملكية بالجبيل والقطاع الصناعي الباحث عن المواد التعليمية والتخصصات العلمية المتوافقة مع احتياجاته. لم يعد مستغربا فتح تخصصات جديدة أو إلغاء تخصصات أخرى لأسباب مرتبطة بحاجة الصناعة. تلك الشراكة النوعية بين القطاعين الصناعي والحكومي أسهمت في توفير قوى بشرية متوافقة مع متطلبات سوق العمل؛ وقادرة في الوقت نفسه على الإبداع والتطوير والابتكار.
كفاءة الإنفاق في مدينة الجبيل الصناعية أدى إلى خلق نهضة تعليمية شاملة موازية للنهضة الصناعية الكبرى؛ في الوقت الذي أسهم فيه الإنفاق على التقنية التعليمية والمعرفية والبيئة المدرسية في مراحل التعليم المختلفة بتعزيز دور المعرفة في البحث والابتكار والإنتاج؛ وبالتالي مساهمتها الفاعلة في دعم الاقتصاد. إدراك القطاع الصناعي لدور التعليم في بناء الاقتصادات المتطورة أسهم في خلق الشراكات النوعية بين القطاعات التجارية والحكومية وهو ما أسهم في تعزيز منظومة التعليم المعرفي. تلتزم الهيئة الملكية في تعليمها العام بالمناهج الحكومية إلا أنها تضيف لها المناهج والبرامج المكملة؛ إضافة إلى توفيرها البيئة المدرسية الداعمة؛ والمختبرات ومراكز البحث المتخصصة في مراحل التعليم. التحفيز البحثي؛ بمستوياته المختلفه؛ يشجع الطلاب والطالبات على التفكر ومحاولة الابتكار ما ينعكس على حياتهم العملية مستقبلا.
تنوع التخصصات العلمية؛ وكفاءتها يقود نحو تنوع الاقتصاد وفتح مجالات أوسع لقطاعات الإنتاج التفني الذي أصبح المحرك الرئيس للاقتصادات العالمية. التعليم هو أساس التنمية المستدامة؛ والمدخل الرئيس للتنمية الاقتصادية والمجتمعية.
أزعم أن بيئة الجبيل الصناعية التعليمية هي البيئة المناسبة لتجربة التعليم النوعي الذي يمكن أن يكون قاعدة الاقتصاد المعرفي مستقبلا؛ خاصة مع وجود الشراكة النوعية بين المنظومة التعليمية؛ الإدارية والقطاع الصناعي الذي لا غنى عنه في تحقيق أهداف «إستراتيجية الاقتصاد المعرفي».
ما يقرب من 1432 طالبا تم تخريجهم من كليات ومعهد الهيئة الملكية بالجبيل الصناعية؛ برعاية كريمة من صاحب السمو الملكي الأمير سعود بن نايف بن عبدالعزيز؛ أمير المنطقة الشرقية؛ الداعم الأكبر للتعليم والبحث وعمليات التطوير والتنمية في المنطقة. برغم ارتباطاته الرسمية؛ حَرِصَ على مشاركة خريجي جميع جامعات المنطقة الشرقية فرحتهم؛ خلال الأسابيع الماضية. ربط الأمير سعود بن نايف في بعض توجيهاته السابقة للخريجين بين تطوير الموارد البشرية؛ والتنمية؛ بقوله: «أؤكد لكم أن وطنكم لم يدخر جهدًا في توفير المؤسسات التعليمية والتدريبية والبعثات الخارجية لتنمية الموارد البشرية، لأن البشر هم أساس التنمية». التعليم النوعي هو مفتاح التنمية البشرية القادرة على تحقيق أهداف التنمية المستدامة ولا شك. تجربة الصين؛ اليابان؛ كوريا الجنوبية؛ وسنغافورة أكبر شاهد على أهمية التعليم وتنمية الموارد البشرية في بناء الإنسان ودعم الإقتصاد وإرساء قاعدة التنمية المستدامة.
تجربة التعليم في الجبيل الصناعية من التجارب الرائدة في المملكة؛ من حيث المنظومة التعليمية المتكاملة؛ وبخاصة ما يتعلق منها في إكساب المهارات؛ والبيئة المحفزة على البحث والإبتكار؛ ما يجعلني أشدد على أهمية استنساخها والاستفادة منها في تحقيق هدف الوصول نحو الاقتصاد المعرفي مستقبلا.