في اليوم الثاني من النشاط الدبلوماسي المكثف لكل من ولي العهد الأمير محمد بن نايف وولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان -وقبل انعقاد القمة الخليجية الأمريكية في كامب ديفيد- تركز عملهما في التحضير للمباحثات القادمة بلقاءات مع الرئيس الأمريكي ووزير خارجيته وآخرين من جهة، وعلى لقاءات ومباحثات ثنائية مع ممثلي الدول الخليجية من جهة أخرى؛ وذلك لضمان نجاح اجتماع القمة الأمريكية الخليجية، ووصولهم مع الجانب الأمريكي إلى تفاهمات تقود إلى تحقيق مطالب المملكة والدول الخليجية، وبما يلبي تطلعاتها في النأي بدولها من أن تكون جزءاً من الصراع الدائر في المنطقة والذي تحاول دول خارج منظومة مجلس التعاون جرها إليه.
***
وبينما كان الوفد السعودي، ومثله الوفود الخليجية، ينتظرون على بعد أكثر من ستين ميلاً في العاصمة الأمريكية ما سيعلن من منتجع كامب ديفيد التاريخي من تفاهمات وقرارات أمريكية - خليجية يفترض أن يتم الإفصاح عنها بعد انتهاء المباحثات، كان هناك من الوفود الخليجية المرافقة من ساوره شيئاً من الشك في أن تكون النتائج بأقل مما تؤمل فيه دولنا، بينما ساد التفاؤل لدى من بنى حساباته وتوقعاته على لقاءات الرئيس الأمريكي الثنائية المسبقة برؤساء الوفود الخليجية، واعتبر ما صرحت به الوفود بعد لقاءاتها بالرئيس وقبل انعقاد القمة، مؤشراً على نجاح القمة بعد اختتام اجتماعها.
***
وفيما كنا نتهيأ لمغادرة واشنطن باتجاه المطار، بانتظار النتائج من هناك، تم الإعلان بعد ساعات طويلة من العمل عن اختتام المؤتمر، لينهي بذلك جدل الصحافة الأمريكية حول هذه القمة، وتوقعاتها المسبقة بأن نتائجها لن تكون بذات القدر المتفائل وذي الأهمية الذي اعتاد أن يعطيه هذا المنتجع بمناخه السياسي وتاريخه المثير لأي اجتماعات تعقد فيه، ولم يغير من هذا الانطباع ما كان قد تم تسريبه من معلومات عن اجتماعات الرئيس برؤساء الوفود، بل وما تم التصريح به من أنه تم الوصول إلى تفاهمات وتوافقات على مجمل القضايا بين الرئيس وقادة ورؤساء وفود دول الخليج.
***
غير أن هذا التشكيك بنجاح قمة كامب ديفيد أو الحديث عن توقع فشلها، أو لنقل تردد الإعلام الأمريكي في الحديث عن أن نجاحاً ينتظرها، مقابل من كان يميل مبكراً إلى القول بتأكيد نجاحها، فإن هذا الجدل لم يحسمه إلاّ كلام الرئيس الأمريكي بعد انتهاء الاجتماع، والبيان المشترك عن اجتماع رؤساء وفود دول مجلس التعاون الخليجي مع الرئيس الأمريكي في منتجع كامب ديفيد، حيث تم التوصل بين الجانبين إلى مجموعة من التفاهمات التي سوف تخدم أمن واستقرار المنطقة، وتعزز من الشراكة القائمة بين الولايات المتحدة الأمريكية ودول مجلس التعاون الخليجي.
***
فقد أكد الرئيس الأمريكي باراك أوباما بشكل لا لبس فيه، وبما لا يقبل التأويل أو التشكيك، بأن دول مجلس التعاون الخليجي هم من أكثر الحلفاء المقربين، وأن المناقشات التي تمت بين أمريكا وقادة ورؤساء وفود دول مجلس التعاون الخليجي كانت صريحة، وأن هذه القمة هي عبارة عن سلسلة من الخطوات العملية والمدروسة التي من شأنها أن تجعل شعوبنا أكثر أمناً، وسوف تقف أمريكا مع دول مجلس التعاون، وتعمل على تعزيز سبل التعاون الموجودة فيما بيننا في سياق مواجهة التحديات الكثيرة بالمنطقة، وأننا بالشراكة التي أبرمناها فيما بيننا استطعنا أن نقوي بعضنا البعض في مواجهة الإرهاب.
***
فهل من نجاح أو فشل يمكن أن يخفيه مثل هذا الكلام الذي صدر عن الرئيس الأمريكي، وهل من تعاون يمكن أن يكون سقفه متواضعاً أو محدوداً أمام موقف أمريكي كهذا يعلن عنه رئيس أكبر دولة في العالم، وأي تقويم لقمة كبرى وتاريخية كهذه يمكن أن يقال عنها بأكثر مما قاله الرئيس الأمريكي، وبينما تستمر هذه التساؤلات والجدل قبل انعقاد القمة، فقد توارت ولو إلى حين - ربما - مع تلك التي تحققت بعد اختتامها، هذا ما يؤكد عليه البيان الختامي، الذي أدخلنا بالتفاصيل وما تم التوافق عليه حول كل بند كان محور الحديث والتفاهم خلال قمة منتجع كامب ديفيد.
ونكمل القراءة في الحلقة القادمة.