أضاعوا الفرصة، فرّطوا بما كانت اليد الكريمة الحانية ستمتد لهم مبدية الرغبة في مساعدتهم والتفاهم معهم، ولم يفكروا بالثمن الباهظ الذي سيكلفه إصرارهم وعنادهم بعدم الإذعان لقرار وقف عاصفة الحزم والبدء بعملية إعادة الأمل، وتصوروا أن بإمكاناتهم المتهالكة يستطيعون ليس فقط في التصدي الضعيف لضربات التحالف المركزة، وإنما باستطاعتهم استهداف المدنيين السعوديين في جيزان ونجران، مختارين بذلك المواجهة مع المملكة وليس مع دول التحالف، وكأنهم يجهلون أن الرياض معنية بحماية مواطنيها السعوديين والمقيمين في أراضيها، وقادرة على إسكات مصادر نيرانهم العبثية والقضاء عليها.
* * *
أتساءل بمرارة: ما الذي كانوا يتوقّعونه من رد فعل سعودي وتحالفي أمام هذا التصعيد الحوثي الخطير، غير ما حدده العميد الركن العسيري في إيجازه مساء الخميس الماضي، وملخصه أن دور قوات التحالف اختلف الآن بعد هذا العدوان غير المبرر على حدود ومواطني المملكة، أي أنه دور لن يكتفى بالدفاع عن الشرعية اليمنية فقط، والتحضير لحوار لا يستثني أحداً من اليمنيين، باتجاه المصالحة، والاحتكام للقرارات والاتفاقيات التي كانوا جميعاً قد وافقوا عليها، والذهاب معاً إلى بناء اليمن الحديث، بعيداً عن الإيذاء أو التحرش أو الاعتداء على المملكة وعلى المدنيين الآمنين فيها، وإنما سيتم توسيع دائرة الضربات الجوية والأرضية وتركيزها بشراسة وقوة أكثر.
* * *
فميليشيا عبد الملك الحوثي وعلي عبدالله صالح لم يستوعبوا - على ما يبدو - درس عاصفة الحزم بعد، أو أنهم فهموا خطأ رسالة إيقاف العاصفة والبدء بعملية إعادة الأمل على أنها عن ضعف، مدعومين بضجيج إعلامي تقوده إيران، وأوهام أخرى اقتنعوا بها، ومضمونها أن طول الحدود مع المملكة والطبيعة الجبلية الوعرة سوف تمكنهم وتعطيهم القدرة ليس بدفع أعداد من الإرهابيين للتسلل إلى داخل حدود المملكة فقط، وإنما في استهداف المواطنين السعوديين وحدود المملكة أيضاً، وهو ما يعني أن المعادلة قد اختلفت، وبالتالي فإن التعامل مع هذا الإرهاب سيصبح أكثر شراسة من ذي قبل، وأنه سيتركز حيثما تكون هناك مقرات ومعسكرات وقيادات للحوثيين في صعدة ومران وضواحيهما، وفي أي موقع آخر تنطلق منه صواريخهم إلى داخل حدود المملكة.
* * *
وكما ذكر المتحدث باسم التحالف، فإن العمل العسكري سيختلف من الآن في شدته ومدته، وأن دور قوات التحالف قد اختلف هو الآخر، وأنه لن يكون هناك مجال محدد للعمليات، وإن حدد بالاسم صعدة ومران وضواحيهما، وأن قوات التحالف ستركز هجومها القوي والمؤثر والشرس على جميع المواقع التي تستهدف المدنيين في كل من المملكة واليمن، فهدف قوات التحالف إذاً لم يعد يقتصر في الدفاع عن الشرعية في اليمن، بل أضيف إليه حماية حدود المملكة ومواطنيها بعد استمرار ميليشيا الحوثيين المدعومين من ميليشيا الرئيس المخلوع علي عبدالله صالح في عدوانهم على المملكة, وعدم قبولهم بوقف إطلاق النار والبدء بعملية إعادة الأمل.
* * *
لقد اختارت ميليشيا الحوثيين إذاً، المواجهة مع المملكة باستهدافها في عدوانها منطقتي جازان ونجران، وهو ما يعني مسؤولية المملكة في حماية مواطنيها وأراضيها، واضطرارها لتوجيه ضربات قوية ومؤثرة ومركزة لتلك الميليشيات الإرهابية التي وضعت المملكة هدفاً لعدوانها عليها، كما جاء ذلك على لسان المتحدث باسم التحالف، مضيفاً: كم سيكون مؤلماً ذلك الرد وموجعاً لهم ولمخططاتهم، حيث سيتم فيه قطع اليد وبترها لكي لا يكون لديها مجرد التفكير في القيام بعمل عدواني كهذا، فضلاً عن أن تقوم بعدوان على أراضي المملكة ومواطنيها, الأمر الذي سيحجِّم هذا المسلسل من النزوات العدوانية، بل ويقضي عليه، ويضمن عدم تكراره.
* * *
أجل: ليستمر التحالف في تصعيد هجومه بهذه القوة على كل المليشيات الإرهابية في اليمن، ممثلة بالحوثيين وأتباع الرئيس المخلوع، ولتكن ملاحقتهم أينما وجدوا دون تسامح، ولتكن الضربات بلا رحمة أو شفقة، بعد أن أغلقوا كل الأبواب أمام جميع الفرص لإنقاذهم مما تورّطوا فيه، وأصروا على الاستمرار في تعريض أمن المملكة للخطر فهذا حق مشروع للمملكة، واستحقاق يجب عدم التخلي عنه أو التساهل فيه، فهم من بدأ العدوان والبادئ - كما يُقال- أظلم.