عمر إبراهيم الرشيد
يُوصف لي كوان مؤسس سنغافورة ورائد نهضتها الشاملة بأنه صارم أزاح كل من حاول إعاقته من طريقه، من خصوم أو منافسين، وهو حقيقة ما كانت تتطلبه تلك المرحلة التي كانت عليها بلاده، فانتشلها من قاع التخلف والأوبئة إلى مصاف الدول النماذج في التقدم الصناعي والاقتصادي والإداري. حقيقة أحدث خبر الإقالة السريعة لوزير الصحة شعوراً عارماً لدى المواطنين والمقيمين على أرض المملكة، بل وحتى خارجياً ببداية
نقلة إدارية لطالما تمناها مواطنو هذا البلد الطيب، نتاج تضخم البيروقراطية الفاسدة في كثير من الأجهزة الحكومية برغم الموازنات السخية للدولة التي يندر وجود أمثالها حتى في الدول الصناعية. ولم يكد يخف هدير هذه العاصفة الإدارية حتى تلتها وقفة حزم اتخذتها الهيئة العامة للطيران المدني بفصل أربعة عاملين لتعاملهم غير اللائق مع حقائب المسافرين، في تهاون ولا مبالاة لعلهم اعتادوا عليها ولم يفطنوا إلى عين الجمهور التي أصبحت إحدى عيني الحكومة، ورصد الكاميرا الجماهيرية والتي بدأت الجهات الحكومية منذ سنوات في التفاعل معها واحترامها واعتبارها عيناً للحكومة والشعب.
أقول ذلك ولا أبالغ بأن هذه الضربة الإدارية أو لنقل عاصفة الحزم الإداري، تيمناً بعاصفة الحزم العسكري والسياسي التي تقودها المملكة وباقي الدول الشقيقة - أيّدها الله ونصر بها الحق-، أقول تمثِّل هذه نقلة لعل تباشيرها بدأت كما قلت منذ عهد الملك عبدالله رحمه الله، ولكنها في هذه المرة تمت بسرعة وحزم خاطفين، مما يبشِّر ببداية هزيمة الفساد والتراخي الإداري في بعض الأجهزة الحكومية وشيوع ثقافة الإتقان والحس الأخلاقي والإنساني الذي هو أساس الحس الإدراي والوظيفي. نحن لا تنقصنا التعاليم ولا النصوص التي نحفظها عن ظهر قلب، كما لا تعوزنا النماذج عبر تاريخنا الإسلامي العريق، إنما هو قلة القدوات أو لنقل خفوت صوتها في زمننا هذا، وتراجع مبدأي الثواب والعقاب أو سوء تطبيقهما، إضافة إلى غلبة أجواء انعدام المسئولية وفسادها في كثير من القطاعات حتى بعض الخاصة منها، كل ذلك وغيره أحبط كثيراً من الجادين والنزيهين وشجع ضعاف النفس والفكر على التمادي في فسادهم وإخلالهم بالأمانة الوطنية والمجتمعية. مثل هذه الضربات الإدارية الخاطفة توقف كل مقصر أو مفسد عند حده وتشيع أجواء من الطمانينة لدى المجتمع بأننا مجتمع الخير أصله وبأن هذه الدولة تروم الإصلاح والاستقرار لمواطنيها.
من جهة ثانية، لعل مثل هذه العيون الراصدة من قبل الجمهور هي تعزيز لنضج وسائط الإعلام الاجتماعي لدينا وتسخيرها للفائدة وإعلاء القيم وإعادة الاعتبار لها، وتعزيز الوحدة الوطنية ونبذ الشعارات الجوفاء والإسفاف والتسطيح الفكري والثقافي والاستهلاكي، وعموماً لا يمكن تخيل تبدل وسائل التواصل تلك إلى منابر للمثل العليا فتلك مثالية ومجافاة لواقع الحياة، إنما يكفي أن لا تغلب عليها روح التخريب والإسفاف، بل تكون مجموعات النفع العام والإصلاح والرقي هي الغالبة.
إن لدينا من الإمكانات المادية والبشرية ما يمكننا من اللحاق بنماذج مشرقة في العالم، إنما ينقصنا، ضمن نواقص تنموية وحضارية أخرى لا يتسع المقام لسردها، تعزيز مبدأي الثواب والعقاب وهما ركن من أركان البناء الحضاري لأي دولة ومجتمع، والإعلاء من القدوات وتشجيعها في مختلف الميادين تعزيزاً لهذين المبدأين أيضاً، وهو ما تبشّر به هذه العاصفة الإدارية الحازمة، طابت أوقاتكم.