إبراهيم عبدالله العمار
الإسفنج كائن حي. من عجائب هذا الكائن أنك إذا مرّرته بقوة من خلال فتحات مصفاة وجعلت الإسفنجة تنقسم إلى أجزاء كثيرة فإنها تُعيد بناء نفسها بطريقةٍ مجهولة الكيفية، فترى أجزاءها الصغيرة تبدأ في التجمع- رغم أن الخلايا انقسمت وتَقطّعت -، وما هو إلا قليل حتى ترجع الإسفنجة قطعة واحدة كاملة كما كانت!
مدهش، أليس كذلك؟ هذا يجبرنا أن نفكر في سؤال العنوان: ما هي الحياة؟
مثل هذه الكائنات تجعل تعريف الحياة الدارج يبدو غير كافٍ ومبالغاً في البساطة. تعوّدنا أن نرى أن الكائن الحي شيء ذو روح يعيش فترة معينة ثم يموت، لكن إذا طبَّقنا كلام الله القائل في سورة يونس: {قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ}، أدركنا أن التفكّر في مخلوقات الله شيءٌ ضروري، والتفكّر لا يتطلب من المرء أن يؤمر، فهذه الكائنات مُبهرة وتجذب الشخص أن يتفكّر فيها، وهي من أبرز الأدلة على عظمة قدرة الله، وأنت عندما تقرأ هذه المقالة وتتفكر فإنها من أعظم العبادات، وقد قال بعض الناس لأم الدرداء زوجة الصحابي العابد الزاهد أبي الدرداء رضي الله عنه: ما كان أكثر شأن أبي الدرداء؟ قالت: كان أكثر شأنه التفكّر. فأدهشهم هذا، فقد تعوّد الناس أن العبادة هي كثرة الصلاة والذكر وما إلى ذلك، ولا يخطر في بالنا أن التفكّر والتأمّل أنواع من العبادة، ومن شدة دهشتهم لم يكتفوا بإجابتها وأصروا أن يتأكدوا من أبي الدرداء نفسه، فذهبوا له وسألوه: أفترى التفكر عملاً من الأعمال؟ قال: نعم، هو اليقين.
في عصرنا هذا فُتِحَت أعيننا على أشياء لم يكن الأسبقون يعرفونها، وبينما أضلّ العلم الكثير من الغربيين فجعلهم ملحدين لما رأوا تناقض الحقائق مع كتابهم المقدس فإنه يزيدنا نحن المسلمين إيماناً، وكيف لا يزيد المؤمن يقيناً إذا عرف عن بعض الطحالب، وخذوا هذه العجيبة من عجائب الحياة، ذلك أن علماء بريطانيين كانوا يستكشفون القطب الجنوبي وعثروا على أشياء متجمدة، وإذا بها طحالب، فأخذوها معهم وقطعوا الثلج الذي حولها ووضعوها في درجة حرارة مناسبة، وما هو إلا قليل حتى عادت إليها الحياة. الأمر المذهل فعلاً هو عمر هذه الطحالب، فعمرها أكثر من 1500 سنة! وضع الله في هذا الكائن الحياة قبل أن يولد رسول الله صلى الله عليه وسلم بقرابة ستين سنة، ولما تجمّدت خمدت حياتها حيناً، حتى أتى عام 2014م لما أُخرِجت من قبرها الجليدي لتعود للحياة من جديد.
الحياة.. يتغيّر تعريفها.. لكن تَثبُت عظمة خالقها سبحانه.