إبراهيم عبدالله العمار
من مظاهر مجتمعنا التي أستغربها: الفرق الشاسع بين نظرة المرء لغيره وهو خارج السيارة.. ونظرته له داخل السيارة.
خارج السيارة: ابن هذا البلد لطيف في العادة، يعامل غيره باحترام، يعاون غريباً سقطت منه أشياؤه في الشارع، يُصرّ أن يدخل الغريب أولاً لو وصلا للباب في نفس الوقت، يَقبل - بسعة صدر وابتسامة - اعتذار شخصٍ ارتطم به، يفسح الطريق لغيره وهو يمشي ويحرص ألا يضيّق على الناس.
داخل السيارة: فجأة نفس الشخص يتغير.. لا ينظر لأخيه المسلم نفس النظرة. لسببٍ ما، المرء لا ينظر لقائد السيارة الأخرى إلا أنه عدو، وفي أحسن الأحوال جماد. إنه في السيارة يتحول لشخصٍ مختلف، فلا يهمه أن ينعطف («يلفّ») على شخص، أو أن يتوقف فجأة بلا إنذار، أو أن يوقف سيارته خلف سيارة في المواقف بحيث يمنع صاحبها من الخروج، والكثير غير ذلك.
يا له من تباين شاسع! لماذا هذا يا ترى؟ هل هو بسبب غياب العنصر البشري؟ لاحظتُ أن التقنية إذا صارت هي وجه الإنسان فإنه يفقد بعض إنسانيته لدى غيره.. أو كلها. عندما تُركّز على السيارة فإنك ربما تفقد إحساسك أن قائدها إنسان، فلا يهمك إذا ظلمتَه أو آذيتَه. وهذا شبيه بحال الناس مع الانترنت، فأغلب الناس يقول على الانترنت كلاماً لا يقوله لو أن الشخص أمامه، من ذلك الغيبة والنميمة، أو على الأقل الغِلظة والجفاف. إنك لا ترى إنساناً عندما تتهجم على شخص خالفك الرأي، بل ترى كلاماً، أو جوالاً، أو حساب تويتر أو إيميلاً أو صفحة اجتماعية، ترى جمادات.. ومع غياب العنصر الإنساني فالكثير من الناس يسيء الأسلوب ويتعامل مع غيره وكأنهم جمادات ليس لهم مشاعر أو كرامة.
يا من يفعل هذا، إن السيارة ليست مجرد جماد يمشي بل داخلها إنسان، فاحرص أن لا تؤذي غيرك من الناس بكثرة استخدام الأنوار العالية أو المنبه أو الحركات الخطرة، وتخيل أن قائد تلك السيارة أمامك بنفسه في غرفة وليس في سيارته، فهل ستصرخ عليه مثلاً أو تخيفه بقطعة حديد؟ لا طبعاً. إذاً لماذا تفعل هذا إذا قاد سيارته؟ لو أنه يجلس بجانبك في صالة انتظار وعرفتَ أن له رأياً غير رأيك فهل ستشتمه و تسخر منه؟ لا، فلماذا تفعل هذا إذا كان بينك وبينه الإنترنت؟
علينا أن نتذكر أن التقنية ليست وجهاً صادقاً، وأن خلف مقود السيارة وواجهة الإنترنت بشر لهم مشاعر، فلنحسِن خُلُقنا سواء رأينا الناس مباشرة أو رأينا فقط سياراتهم أو مُعرّفاتهم. متى ما كدتَ أن تنفعل وتسيء لغيرك فتذكر هذه العبارة: ثَمّة إنسان هناك.