يهتم السلوك التنظيمي في منظمات الأعمال بالعنصر البشري، خاصة المنظمات التي لديها أعداد كبيرة من تلك العناصر؛ إذ يُعتبر ذلك العنصر أحد العوامل الرئيسية المحددة لكفاءة الإدارة. ومن خلال تعريف السلوك التنظيمي نجد أنه حقل دراسي، يبحث الأثر في سلوك الأفراد والجماعات على المنظمة، وأهمية الهيكل التنظيمي لأغراض تطبيق المعرفة نحو تحسين فعالية المنظمة «للكاتب ستيفن روبنز».
ونلاحظ من خلال ذلك التعريف أنه ركز على ثلاثة محاور رئيسية، هي: الأفراد والجماعات والهيكل التنظيمي. ومن خلال واقعنا في المنظمات نجد أن السلوك التنظيمي في الغالب يكون تطبيقه على الورق فقط، ولا يتم تفعيله؛ ليصل أثره إلى سلوك الأفراد والجماعات داخل المنظمات.
هناك العديد من الفوائد العائدة على المنظمة والفرد من تطبيق هذا «الكنز المجهول». فعلى سبيل المثال لا الحصر: تحسين الإنتاجية، رفع كفاءة الأداء، تزايد معدلات الابتكار والتطوير، تخفيض تكاليف الإنتاج، فهم سلوك الأفراد وردود أفعالهم ومن ثم طبيعة آرائهم وقيمهم، ارتفاع معدل الولاء للمنظمة من قبل الأفراد العاملين بها، ارتفاع معدلات الرضا الوظيفي وانخفاض معدلات الاستقالة.
كذلك هناك أيضاً فوائد أخرى تعود على الفرد، مثلاً: السلوك الإيجابي للفرد تجاه المنظمة، من خلال الولاء وارتفاع الحافز للعمل، معرفة حقوقه وواجباته، وضوح الرؤية والرسالة للمنظمة؛ ما يؤدي لانعكاس ذلك على الفرد، الرغبة في التعلم واكتساب مفاهيم جديدة. وهناك فوائد أخرى عديدة، وما تم ذكره على سبيل المثال لا الحصر.
وعلى الجانب الآخر نجد أن سلوك المنظمة يؤثر أيضاً في البيئة الخارجية للمنظمة، مثل العملاء والموردين والمسؤولية الاجتماعية.. ولها أثر كبير في جذب العملاء والموردين للعمل مع المنظمة. ومن ذلك مثلاً: عميل يريد أن يتعامل مع منظمة معينة؛ إذ نجد أن المنظمة التي تستقبل العميل من خلال الترحيب به، وتنظيم سياسة الاستقبال من خلال صالة استقبال فاخرة، واستخدام الأرقام بدلاً من الطابور أو الفوضوية عند بعض المنظمات، تقدم دليلاً بسيطاً على أهمية سلوك المنظمة لجذب العملاء.
وبالتطرق لموضوع الولاء الوظيفي، وهو أحد موضوعات السلوك التنظيمي، ومدى أهميته وتطبيقه في المنظمات السعودية، ومقارنة الولاء الوظيفي بالمنظمات اليابانية، نجد أنّ هناك فرقاً كبيراً جدًّا؛ فالولاء الوظيفي كما عرفه مايكل بورتر هو «قوة تطابق الفرد مع منظمته وارتباطه بها». فيما تشير الدراسات إلى أنّ معدل الولاء الوظيفي في السعودية منخفض جداً، بينما على العكس مرتفع جدًّا في اليابان؛ وذلك لأسباب تنظيمية وفردية.
وبالتعمق لمعرفة الأسباب نجد أن تدني مستوى الولاء الوظيفي في المنظمات سببه قلة الرواتب والحوافز، وعدم المساواة في إعطاء الحوافز لمستحقيها، وانعدام مبدأ التشجيع المادي والمعنوي للمبدعين والمنتجين، ووضع الموظف في المكان غير المناسب لقدراته، وانعدام فرص التطوير والتدريب، وحصرها في كثيرٍ من الأحيان على أشخاص دون غيرهم؛ فهذا يسبب الحزازيات وقلة الإنتاج، إلى جانب تداخل الصلاحيات الإدارية وكثرة وتعدد المهام، وغموض في سلم التدرج الوظيفي والترقيات.
ونجد أنّ هذه الأسباب المذكورة تتسبب في ضعف الولاء الوظيفي في السعودية، بينما في اليابان نجد عكس الأسباب المذكورة أعلاه؛ فهي مسببة لارتفاع معدل الولاء في منظماتها. كما أن هناك عوامل أخرى تطبقها الشركات الكبرى في اليابان لزيادة معدل الولاء، منها على سبيل المثال: مشاركة الموظفين بأرباح الشركة، وملكية الموظفين لجزء من الأسهم، ومشاركة الموظفين باتخاذ القرارات، والاهتمام بالعلاقات الإنسانية، والدخول لمشاعر عائلات الموظفين، وبث روح المنظمة داخل البيوت وأبناء الموظفين لضمان الولاء لأبناء الموظفين.
هذه مقارنة بسيطة لأحد موضوعات السلوك التنظيمي، ومدى تطبيقه في السعودية، ومقارنته بالدول المتقدمة كاليابان وغيرها.
ومن خلال استعراضنا لفوائد تطبيق السلوك التنظيمي في المنظمات وأهميته، ودوره الكبير في الدول المتقدمة، نجد أن بعض الشركات أصدرت وظيفة جديدة بمسمى «مدير السلوك التنظيمي» بعدما حددت مهامه ومسؤولياته وصلاحياته؛ وذلك لأهمية هذا الكنز، وأثره على المنظمة والأفراد، لكننا لا نعلم لماذا يجهل أو يتجاهل الكثير من المديرين في العالم العربي هذا الكنز؟!