د. عبدالرحمن محمد السلطان
يتردد الحديث حالياً عن ضرورة ضم اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي لتقوية روابطها بدول المجلس، وتقليل فرص استغلال إيران للظروف المعيشية لسكانها.. إلا أنه يغيب عمن يتبنون مثل هذا الطرح الفروق الشاسعة في مستويات المعيشة بين دول مجلس التعاون وبين اليمن، بحيث إنه في حال ضم اليمن إلى المجلس سيتدفق ملايين اليمنيين بحثاً عن فرص عمل ما يخلق معضلات اقتصادية وديمغرافية في غاية الخطورة على دول المجلس، كما يغيب عن هؤلاء أيضاً أن ضم اليمن في حد ذاته لا يمكن أن يسهم في حل أي من مشكلاتها، فالمعضلة اليمنية مرتبطة بتعطل عملية التنمية وتدهور مستويات المعيشة وتفشي الفقر والبطالة، نتيجة سوء إدارة اقتصادها وافتقارها للموارد المالية اللازمة لتمويل عملية التنمية، ما جعلها واحدة من أفقر بلدان العالم وأشدها بؤساً.
ومن ثم، فإن اليمن غير مؤهلة إطلاقاً للدخول في تكتل اقتصادي يجمع دولاً تتمتع مستويات معيشة تُعتبر من بين الأعلى على مستوى العالم بفضل ما تنعم به بلدانها من ثروة نفطية، وليس من المقبول أن تصبح اليمن عضواً كامل العضوية في مجلس التعاون، ويُستثنى مواطنوها من حرية العمل والتنقل المكفولة لمواطني دول المجلس، خصوصاً أن مثل هذا الاستثناء ينهي أصلاً أي مكاسب لليمن من هذا الانضمام، ويجعله غير مبرر إطلاقاً.
لذا، فإن اليمن أحوج ما تكون إلى تنفيذ برنامج إصلاح وإنعاش اقتصادي مشابه لخطة مارشال Marshall Plan التي نفذتها الولايات المتحدة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية في غرب وجنوب أوروبا.. فتماماً وكما هو الحال في اليمن حالياً، حيث استغلت إيران سوء الأوضاع الاقتصادية في التغلغل وإيجاد موضع قدم لها في اليمن، فإن الولايات المتحدة خشيت أن يتسبب الفقر والبطالة والتدمير الناتج عن الحرب العالمية الثانية في زيادة جاذبية الأحزاب الشيوعية للناخبين الأوروبيين، ما يسهل على الاتحاد السوفيتي التغلغل فيها، فقررت تنفيذ خطة لإعادة تأهيل وإنعاش الاقتصادات الأوروبية تستهدف تحسين مستويات معيشة سكانها ومساعدة اقتصاداتها على معاودة النمو من جديد.
وقد خصصت الولايات المتحدة لهذا المشروع الجبار 17 مليار دولار، تُعادل اليوم ما قد يزيد على 120 مليار دولار، أنفقتها خلال فترة الخطة التي امتدت بين عامي 1948 و1951، والذي كان له بالغ الأثر في تسريع إعادة تأهيل اقتصادات تلك البلدان بصورة ضمنت للولايات المتحدة ليس فقط الحد من فرص التغلغل الشيوعي، بل وأن تصبح هذه البلدان المكون الرئيس في حلف الولايات المتحدة المعادي للشيوعية.
ومن ثم، فحل المعضلة اليمنية ليس في ضم اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي، وإنما في تنفيذ خطة مارشال يمنية من خلال إنشاء بنك تنموي يموَّل من قِبل دول المجلس يستهدف إعادة تأهيل الاقتصاد اليمني بما في ذلك تنفيذ مشاريع استثمارية كبرى ترفع من معدلات النمو الاقتصادي وتحسن من مستويات المعيشة وتحد من البطالة والفقر، والذي علاوة على تقليله لإمكانية نجاح أي محاولة فارسية للتغلغل في اليمن، يسهم أيضاً في تضييق فجوة مستويات المعيشة بين اليمن ودول المجلس، ما يحسن من فرص أن تصبح اليمن يوماً ما مؤهلة لتكون عضواً فيه.