د. عبدالواحد الحميد
يحدث كثيراً في هذه الأيام أن تستمع إلى تحليلات سياسية في الفضائيات العربية لمجرد التسلية وتبديد ما قد يكون لديك من أوقات فراغ. ومن أمتع ما يمكن أن تسمعه هو تلك التحليلات التي يقدمها بعض أخوتنا العرب عبر فضائيات لا تُحب السعودية ولم تحبها في يوم من الأيام! وقد أصبحت «عاصفة الحزم» ثم «إعادة الأمل» والأزمة اليمنية عموماً فرصة لبعض الإعلاميين والسياسيين وحتى بعض الأكاديميين ومَنْ يُطلُق عليهم وصف «مفكرين» عرب لإطلاق العنان لخيالهم وتقديم تحليلات من عند أنفسهم لا تستند إلى أي معلومات وإنما تدل على جهل مطبق عن الأوضاع داخل المملكة العربية السعودية.
نقول إن تحليلات البعض تدل على جهل مطبق إذا أحسنا الظن بهؤلاء المحللين، ولكن يمكن القول أيضا ودون تردد أن بعض «المحللين» لا تنقصهم المعلومة ولكن ينقصهم حُسن النية. فالبعض منهم شبه متخصص في «الردح» ضد السعودية بصرف النظر عن الموضوع المطروح للنقاش. وقد كانت «السعودية» دائماً هي بضاعتهم التي يتكسبون من شتمها في جميع المناسبات. وبالنسبة لهؤلاء، يمكن أن تعرف موقفهم قبل أن يدلوا بأي مداخلة بمجرد أن تعرف ما هو الموقف السعودي من القضية المطروحة وذلك لأن مواقفهم وتحليلاتهم ستكون عكس الموقف السعودي 180 درجة!
ومن أطرف التحليلات ما أدلى به أحد الجهابذة المتخصصين في نقد السعودية في أي مناسبة؛ فبعد إعفاء رئيس المراسم الملكية هنا بسبب خطأ جسيم ارتكبه بحق مصور صحفي، حاول المحلل العبقري أن يصنع من «الحبة قبة» معتبراً أن إعفاء رئيس المراسم الملكية يدل على صراعات وارتباك في الوضع السياسي في السعودية. ثم أجهد الرجل نفسه في تحليلات تثير الشفقة بعيداً عن حقيقة أن الإعفاء كان قراراً في غاية التحضر لأنه كان ينتصر للصحافة والإعلام وكان، قبل ذلك، ينتصر للذوق السليم والسلوك المتحضر.
هذا التحليل الكاريكاتيري يتم تسويقه إلى المُشاهد العربي الذي نتوقع أن تكون لديه مصادر أخرى للمعلومات في هذا الزمن الذي لم تعد وسيلة إعلامية واحدة تحتكر المعلومات، لكننا نعلم أن هناك - بكل أسف - من يتأثر بهذه التحليلات السخيفة وقد يصدقها في المدى القصير لكنه لا بد أن يدرك لاحقاً أنها تحليلات متهافتة.
على الجانب الآخر، نجد أن بعض الذين يكررون الظهور في القنوات الفضائية من الجانب الخليجي، وخاصة السعودي، قد لا يكون بعضهم مؤهلاً لتوضيح الحقائق والرد على خزعبلات الطرف الآخر بشكل مُقْنِع لأنهم يفتقرون إلى القدرة على الحوار واحياناً يفتقرون إلى المعلومات وذلك لسبب بسيط وهو أن الواحد منهم يتحدث على الهواء عن كل شيء: عن السياسة والقضايا العسكرية والاقتصادية والأزمة في أوكرانيا وجائزة نوبل في الأدب وتاريخ الإمبراطوية الرومانية وكل شيء متناسياً أن الحديث المباشر على الهواء يختلف عن كتابة مقال تشطب منه وتضيف إليه وأنت في فسحة من الوقت، وأن كلاً ميسر لما خُلقَ له.