د. محمد عبدالله العوين
لم تنجح ثورة الملالي في الوصول إلى السلطة وإزالة حكم الشاه إلا بدعم كبير من المخابرات الغربية؛ لكي ينهض فكر «الولي الفقيه» ببعده الديني المزيف وبعمقه الفارسي الحقيقي بمهمة إعادة رسم الخارطة السياسية في المنطقة العربية من جديد، في تشابه تام لخطة سايكس - بيكو 1916م التي قسمت ممالك الدولة العثمانية وفتتت ما كان كتلة واحدة؛ على الرغم مما اتسمت به الإدارة العثمانية للدول العربية من حيف وظلم، وما شاب التمدد التركي من انتهاكات واستبداد، لم يكن غريباً أبداً على سيرة الخلافة العثمانية في أي أرض هيمنت عليها؛ كما حصل في الجزيرة العربية والشام وغيرهما.
لقد تم تقديم العون للخميني كي يصل إلى السلطة في إيران لتحقيق سايكس بيكو2 حين رأى الغرب إرهاصات لنمو وعي قومي عربي وبدايات ليقظة إسلامية، وظهر ذلك جلياً في حركة تأميم قناة السويس التي أعلنها عبد الناصر مما استدعى أن يشن الغرب عليه حرباً شعواء عام 1956م عرفت بحرب بورسعيد أو العدوان الثلاثي، ثم تجلى الوعي العربي والإسلامي الناهض في حرب رمضان 1393هـ أكتوبر 1973م والانتصار الذي حققه العرب على إسرائيل؛ مما دعا المفكرين الإستراتيجيين في مراكز البحوث الغربية وبخاصة في أمريكا إلى وضع خطة جديدة لإعادة تقسيم المنطقة وإضعافها ووأد أي نهوض عربي أو إسلامي واعد؛ فبدأ المستشار في البيت الأبيض وأستاذ العلوم السياسية بجامعة واشنطن المفكر الأمريكي الصهيوني برنارد لويس يرسم رؤى جديدة تحقق السيادة المطلقة للغرب وتحمي وجود إسرائيل وتضمن عدم استيقاظ المارد العربي والإسلامي النائم؛ وذلك من خلال تأجيج الأبعاد الطائفية والمذهبية والعرقية والقبلية والإقليمية، وإعادة توزيع التجمعات البشرية في منطقة الشرق الأوسط بناء على وجود تلك الطوائف أو تنازعها مع غيرها كالشيعة والأكراد والبربر وغيرهم بتبني ثورات الطوائف والأقاليم ومساعدتها على أن يكون لها كيانات مستقلة عن دولها؛ ورأى المخططون أنه لا يمكن أن تنجح أي خطابات سياسية لا تتكئ على رؤية تتماس مع المشاعر الدينية المذهبية، ووجدوا في الطائفة الإثني عشرية الفارسية التي كان حامل الدعوة إليها الخميني خير من يحقق غرض إضعاف الوجود العربي الإسلامي، وعلى الأخص في خطابه السني الذي يمثل العدو اللدود للغرب منذ الفتوحات الإسلامية الأولى إلى ما بعد الحروب الصليبية.
استضافت فرنسا عميل الغرب الخميني المكلف بالمهمة وحمته واشتغلت المخابرات الأمريكية على إنجاح ثورته في الداخل الإيراني فوزعت أشرطة الكاسيت التي كان يسجل عليها خطاباته وشكلت منظومات العمل السرية لإسقاط عميلها السابق الشاه الذي لم ينجح في التمدد في المنطقة العربية وتحقيق الرؤية الغربية.
وهكذا تم طرد الشاه من إيران وهام على وجهه يبحث عن ملجأ حتى ضاقت به السبل وأغلقت أمريكا في وجهه فضاءاتها فلم تمنحه حتى فرصة العلاج من المرض الذي كان يفتك به ولم يجد له مأوى إلا عند أنسابه المصريين حيث دفن في القاهرة، وحطت الطائرة الفرنسية بالعميل الجديد في مطار طهران محفوفاً بأكاليل النصر، وبدأ الخميني يعلن فكر ثورته بدون مواربة كما خطط له؛ ويتلخص في أمرين: الخضوع التام للولي الفقيه الذي يتولى مهام صاحب الزمان الغائب المنتظر الحاكم بأمر الله، وتصدير هذا الفكر إلى العالم، والمقصود بالعالم في حقيقة الأمر المحيطين العربي والإسلامي؛ فبدأ الزحف على ديار العرب بالعراق واشتعلت الحرب تسع سنوات، وحين لم تنجح في إسقاط النظام العربي السني في بغداد تدخل الغرب في حياكة منزلق يتم من خلاله القضاء عليه؛ فأهدي العراق - بعد تحطيم جيشه بالحصار ثم الحرب ثم الحل - إلى إيران، وبعد قيام الثورة الخمينية بسنة تم تكوين حزب الله في لبنان لينهض بمهمته في منطقة الشام بالتعاضد مع نظام الأسد، ثم نشطت المخابرات الإيرانية في تكوين الأحزاب ومدها بالمال والسلاح في أجزاء متفرقة من العالم العربي وأفريقيا؛ كما هو الشأن في البحرين واليمن. وللحديث بقية.