أُصيبت أُسرة الشريدة بمنطقة القصيم، وغيرها من المناطق برحيل عميدها محمد بن فهد الشريدة، الذي وافته منية الموت في العناية المركزة بمستشفى الملك فهد التخصّصي عن عُمر ناهز عشرة عقود مساء يوم السبت الموافق: الثالث عشر من الشهر السابع، سنة ست وثلاثين وأربعمائة وألف من الهِجرة.
عُرِفَ أنه من رجال عِقيل الذين عُرفوا في أزمنة بريدة القديمة على إنهم يُتاجرون في جردتها التي تُعد من أكبر الأسواق، وأشهرها بيعاً، وشراءً للإبل، والخيل، والغنم. وتصدير التي يشترونها إلى بلدان الشام، ومصر، والعراق. وإن الشريدة أحد قادتها، وأمراء رجالها الذي يُتاجر، ورجال عِقيل؛ لتصدير الإبل إلى البُلدان التي يحطّون رحالهم فيها، ويستوردون من قيمتها الملابس، والأسلحة، والأثاث. والأرز، والقهوة والتمر. والنحاس، والقصدير، والنشادر... ويحضرونها إلى جردة بريدة ويبيعونها على تجَّارها الذين يعرضونها لمن يفد إليهم من أبناء الحاضرة، والبادية.
كما أن الشريدة من العقيلات الذين شرَّعوا أبواب منازلهم؛ لاستضافة الذين يفدون إليهم؛ للاستمتاع في استماع قصصهم التي فيها مُغامراتهم، وطرائفهم، ومآثرهم التي تُؤنس جُلسائهم. فقد حضرتُ مجلس الشريدة في منزله، وخصَّني ببعض القصص التي أعدّها من أمتع القصص المفيدة التي تتحدَّث عن مُغامراته في غربتهِ؛ لأجل بيع الإبل، ونقل الذهب الذي يُعد من أكثرها مُغامرة، وخطورة شرائه من فلسطين، وبيعه في عمَّان، والمخاطر التي حصلت له أثناء نقله عبر نهر الأردن، ومُطاردة اليهود له وهم موجهون فُوهات بنادقهم لمنعه من عبور النهر؛ إلاَّ أن حفظ الله، ثُمَّ شجاعته، وإقدامه عبر النهر غوصاً وصل عمَّان، والذهب في وعاء حزام سرّته.
وعن قصص رجال أُسرته، ومشاهيرها في بيع، وشراء الإبل الذين أبقوا ذكراً حسناً في صدق المعاملة، وطيب المعاشرة، وكرم الضيافة. وفي حُضور مجالس جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن الفيصل، حيثُ إن جلالته -طيب الله ثراه- يأنس بهم، وغيرهم من الذين يفدون إليه ويحضرون مجالسه في الحِل، والترحال، وأنه أحد أبناء أُسرة الشريدة التي لها احترام عند أبنائه، وأحفاده الأُمراء الذين يُقدّرونها، ويقدرون مواقف آبائهم وأجدادهم المشرِّفة أثناء توحيد المملكة.
كما أن أُسرته من الأسر الذائعة الصيت، التي عُرِف عن أبنائها الشجاعة في القلب، والقوَّة في الجسم، والإِقدام في المعركة التي من أكثرها مُشاركةً معركة جراب، التي اُستشهد فيها أحدهم سنة ثلاث وثلاثين وثلاثمائة وألف من الهجرة.
وعن إفراغ أحد أفراد أسرته مخازن تمور منزله، وتوزيعها سنة الجوع على الفقراء من الذين ضاقت بهم الأيدي لأجل الحصول عليها؛ لسد رمق جوعهم!، وعن آباء الأيتام، والأرامل، والمساكين الذي آواهم في منزلهِ تقرباً إلى الله الذي أعدَّه لمن آوى يتيماً، أو أرملة، أو مِسكيناً، وعن طلب العلم لأفراد أسرته من مشائخ كتَّاب بريدة، ومساجدها الذين ينهلون منهم العلوم الشرعيَّة، والعربيَّة، والتاريخيَّة.
وعن أبناء الأسرة الذين لا زالوا يعملون بمختلف المجالات التي تخدم الوطن، والمواطن، وحبهم لولاة أمرهم الذين يُقدِّرون مواقفهم، ومواقف آبائهم، وأجدادهم؛ لأجل خدمة الوطن. هذا وأدَّى صلاة الجنازة على روح الشريدة الطَّاهرة جمعٌ غفير من الذين حضروا من داخل المنطقة، وخارجها، يتقدّمهم سمو أميرها؛ تقديراً لما تحمله أُسرته من ذكرٍ حسن، ومأثر طيّب.. رحم الله الشريدة، وأسكنه فسيح جناته، وتعازينا لأبنائه، وبناته، وأحفاده، وحفيداته، وكافة أُسرته. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
أحمد المنصور - بريدة - نادي القصيم الأدبي