اللواء الركن م. د. بندر بن عبدالله بن تركي آل سعود
عندما انتقل مؤسس هذا الكيان وبانيه إلى بارئه سبحانه وتعالى، ضحى الاثنين الثاني من ربيع الأول عام 1373هـ، الموافق للتاسع من نوفمبر عام 1953م، في الحوية، فرح المخذلون والشامتون والحاسدون والحاقدون والمتربصون بهذه البلاد وأهلها، فعلا صياحهم وزادت غبطتهم، وراهنوا بعضهم البعض على أُفول نجم دولة عبدالعزيز سريعاً، لأن مؤسسها وقائدها وأقوى رجل فيها، بل والد شعبها، الذي لا يرى نفسه غير أبٍ لأسرة كبيرة هي شعبه، وهكذا كانت سيرته فيهم، والشواهد أكثر من أن تُحصى، قد انتقل إلى جوار ربه.
ولما خذلهم الله سبحانه وتعالى، ووفق أبناء عبدالعزيز وشعب المملكة على استمرار رسالة الخير القاصدة، صاروا يرددون الأسطوانة المشروخة ذاتها، كلما غادرنا أحد قادتنا الأكارم إلى جوار ربه، بعد أن ساهم بدوره في استمرار مسيرة عبدالعزيز وقافلة خيره القاصدة.
ويصف سيدي خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، حفظه الله ورعاه، هذا في كلمة بليغة له، كعادته دائماً، أمام الراحل الكبير، أخيه الملك عبدالله بن عبدالعزيز، بمناسة حفل أهالي الرياض، الذي شرّفه الراحل في 20-10-1426هـ، الموافق 22-11-2005م، قائلاً: (... لقد أثبت التاريخ أن هذه الأسرة فيها تكاتف وتعاون وتواد ومحبة، وكان يقول القائلون في أواخر عهد الملك عبدالعزيز: ماذا سيحل بهذه البلاد، وهذه الأسرة بعد عبدالعزيز، ثم بعد سعود، ثم بعد فيصل، ثم بعد خالد، ثم بعد فهد؟ والحمد لله، أن أي إنسان يرصد الأوضاع ويعرفها يجد أن إخوتكم، والحمد لله، ملتفون حولكم يداً بيداً، وأسرتكم جميعاً وشعبكم والحمد لله ...).
وبالنظر إلى هذا الأمر من زاويتين، نرى أن قِصر نظر أولئك المخذلين والشامتين الحاسدين، هو الذي دفعهم لما ذهبوا إليه، لأن عبدالعزيز كان حقاً أمة في رجل، حقق لنا منجزاً تاريخياً استثنائياً، عجزت أمم كثيرة على وجه الأرض عن تحقيقه عبر قرون، وقد أكدت غير مرة أن كل ما ننعم به من خير ونتقلب فيه من نعيم اليوم، وإلى يوم الدين، يعود الفضل فيه - بعد الله - إلى المؤسس الملك عبدالعزيز آل سعود.
وقد وافقني في هذا كل من عاصر عبدالعزيز، أو قرأ سيرته وتمعّن تاريخه المشرق المجيد، وعلى رأسهم ابنه (قوقل تاريخ الجزيرة العربية) سيدي خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان، الذي يقول بالنص: (إن هذه الثمار التي يقطفها شعب المملكة العربية السعودية، كلها من عمل عبدالعزيز، ومن عمل أبناء هذه البلاد، الذين آزروه وساعدوه، ونعمنا والحمد لله، بالوحدة والطمأنينة والإخاء والتآخي... إن كل ما نعيش فيه الآن هو من بذور عبدالعزيز، ومن غرس عبدالعزيز، والحمد لله أن أبناءه يرعون هذا الغرس وهذه البذور ويسقونها دائماً بمحبتهم وتفانيهم وإخلاصهم في سبيل هذه العقيدة، وهذا الشعب، وهذه البلاد... لا بد أن أنوّه بجهاد الملك عبدالعزيز ورجاله المخلصين في توحيد أجزاء هذه المملكة المتسعة الأطراف، وأن الفضل يجب أن يُنسب، بعد الله عزّ وجل، إلى هولاء، ثم لتمسك قادة هذه البلاد بشريعة الله وشريعة نبيه عليه أفضل الصلاة والسلام...).. والحقيقة حديث سلمان التاريخ والريادة الشيّق عن والده المؤسس، يكاد لا يأذن بنهاية، ولهذا أكتفي هنا بهذا القدر من الاستشهاد.
أما إذا نظرنا إلى الأمر من زاوية أخرى، فنجد أن تلك الزمرة الحاسدة الشامتة الحاقدة المخذّلة، قد غاب عن وعيها، إن كان لها وعي حقيقي، أن عبدالعزيز كان رجلاً مصلحاً صاحب رسالة خالدة، وليس طالب سلطة أو جاه، ولأنه كان مؤمناً صادق الإيمان، شديد الثقة بربه، كان يعلم يقيناً أن الخلود لله وحده، ولهذا علَّم أبناءه وتعهدهم بالرعاية والعناية، وأعد شعبه خير إعداد لاستمرار هذه اللُحمة الوطنية الفريدة، التي وصفها كل من تحدث عنها أنها (بصمة سعودية خالصة) لأنها الضمان الوحيد لاستمرار رسالته.. ومن هنا أؤكد لأولئك المخذلين، بل للجميع، أن رسالة عبدالعزيز ماضية - بإذن الله - إلى الأبد.. فبلاده يد خير ومزرعة خير، كما يصفها سيدي الوالد القائد سلمان، والعهد أن الله سبحانه وتعالى ينمي الخير دائماً ويزيده من فضله، ويوفق كل من يسعى لتحقيقه.. فليمت الشامتون الحاسدون الحاقدون بغيظهم.
واليوم، بعد ستة عقود ونيف، ما زالت دولة عبد العزيز بقيادة ابنه النجيب، القائد الفذ البطل الهمام، السياسي المحنك، الإداري الفريد، الأديب والمؤرخ، والزعيم الاستثنائي، خادم الحرمين الشريفين، سيدي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، الذي وهبه الله كثيراً من من صفات والده خَلقاً وخُلقاً، لا سيما فيما يتعلق بالأبوة الحقيقة، والأخوة الصادقة لهذا الشعب الوفي، إذ لا يوجد أحد بيننا اليوم لا يعرفه سلمان أو يعرف والده، أو جدّه، أو خاله، أو عمّه.. وأذكر هنا أنني طالعت خلال الأيام القليلة الماضية، أن والدنا سلمان، عاتب رئيس تحرير إحدى الصحف، لأنها نشرت نعياً لامرأة لا تزال على قيد الحياة، فهل بعد هذا معرفة بكافة أبناء الشعب وأبوة لهم؟! وثمة مشهد آخر، سيظل عالقاً في الأذهان إلى الأبد، ذلكم هو تلك الأخلاق الرفيعة، والوفاء النادر، الذي هو أيضاً بصمة (سلمانية) بامتياز، يتمثّل في تينك البرقيتين النادرتين المؤثرتين، اللتين رفعهما المقام السامي الكريم لسمو الأميرين، مقرن بن عبد العزيز وسعود الفيصل، إثر طلبهما إعفاءهما من منصبيهما، ومن ثم زيارته برفقة ولي العهد، الأمير محمد بن نايف، وولي ولي العهد، الأمير محمد بن سلمان، لأخيه الأمير مقرن بن عبدالعزيز، في قصره العامر، بعد انتهاء مراسم البيعة مباشرة، في لفتة أخوية كريمة، لا يتقنها غير سلمان الوفاء.. أقول: اليوم تذهل دولة عبدالعزيز الراسخة الثابتة العازمة الحازمة الملك، وتدهش الملوك، بما حققه من إنجازات عظيمة، وأعمال هي أقرب إلى الخيال من الحقيقة.. حتى أصبحت في ظل قيادة سلمان اليوم، مركز العالم ومحور سياسته واقتصاده، الكل يخطب ودها ويتمنى أن يكون أكثر الناس حظوة لديها.
ومن ناحية أخرى، يسير قائدنا سلمان بخطىً حثيثة، لا تعثر فيها ولا تردد، على درب المؤسس في العمل والإنجاز والعزم والحسم، وقد رأينا كلنا أعماله خلال هذه المئة يوم المنصرمة، التي فاقت حتى توقعاتنا نحن الذين نعرفه ونعرف حرصه على العمل والإنجاز والاتقان.. فأنا لا أعرف في حياتي أن قائداً يصدر أربعة وثلاثين قراراً في ساعات الفجر الأولى، ثم ستة وعشرين قراراً مثلها دفعة واحدة في التوقيت ذاته، بل يمارس مهماته بكل كفاءة واقتدار وعزم وحزم، ويصدر ستة قرارات، وجثمان سلفه الراحل الكبير، ما زال مسجياً لم يوار الثرى بعد، وأيضاً في ساعات الفجر الأولى، وأحسب أن في هذا دلالة مهمة لنا نحن الشعب السعودي جميعاً، لاحترام الوقت وتقدير العمل، فإذا كان قائدنا، الرجل الأول في بلادنا، يصل الليل بالنهار، ثم يصدر قراراته في ساعات الفجر الأولى، وفي أيام العطلات الرسمية في معظم الأحيان، فحري بنا نحن أن نحذو حذوه، فالتّشبه بمثل سلمان فلاح وصلاح ونجاح.
وقطعاً لو قدّر اليوم لعبدالعزيز أن يعود إلى الحياة، ولو لساعة واحدة فقط من نهار، ليرى تحقيق الله لأمنيته، التي أفصح عنها لبوكهارت، من توفيقه سبحانه وتعالى لأولاده وما حققوه، بفضل الله ثم بجهد عبدالعزيز وحُسن تخطيطه للمستقبل، من عزة للإسلام والمسلمين، وقوة للعرب وخير للعالم، لخرّ ساجداً شاكراً لله المنعم الوهاب.. وبالمقابل، لو قُدر لنزار قباني، العودة إلى الحياة أيضاً، لساعة واحدة من نهار، ليرى ما حققه إنسان الجزيرة في السعودية، الذي كان يصفه بـ(جمل هائج في الصحراء، هائم على وجهه دون خطام) لخرّ أيضاً... لكن ليس ساجداً كعبد العزيز آل سعود، المؤمن الصادق الواثق بنصر الله الودود، بل مغشياً عليه من هول ما يرى ويسمع.
واليوم، إذ يسير والدنا المحبوب، قائدنا البطل الفذ الهمام سلمان، على خطى المؤسس عبدالعزيز، في رسم مستقبل البلاد لعقود قادمة - بإذن الله تعالى -، فيصدر قرارات حازمة كـ(عاصفة الحزم) في تطعيم مؤسسة الحكم بالجيل الثاني والثالث من ذرية المؤسس، في خطوة تاريخية شجاعة، لا يتقنها غير سلمان، لا أملك إلا أن أتقدم لمقامه الكريم بكل عرفان وامتنان، وشكر وتقدير واحترام، على ما يحققه لنا كل يوم، من مجد وعز ورفعة، وضمان لمستقبلنا، وترسيخ لمكانة بلادنا بين الأمم، وتعزيز لدورنا في الحياة، ورسالتنا الخالدة التي ترتكز عليها بلادنا.. مبتهلاً إلى المولى الكريم أن يحفظ مقامه الكريم، ويمتعه بالصحة وموفور العافية، وأن يديم عزّه وتأييده.. ومثلما وعدتكم من قبل: كلما حقق لكم سلمان إنجازاً.. انتظروا المزيد، إذ ليس لطموح قائد مثله حدود.. وليمت الشامتون الحاقدون الحاسدون في كل مكان بغيظهم.